سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢٢ - الصفحة ٤٩
نفعا، وأشدهم ورعا، وأكثرهم صبرا على التعليم. وكان داعية إلى السنة، أقام بدمشق مدة يعلم الفقراء ويقرئهم، ويطعمهم، ويتواضع لهم، كان من أكثر الناس تواضعا، واحتقارا لنفسه، وخوفا من الله، ما أعلم أنني رأيت أشد خوفا منه. وكان كثير الدعاء والسؤال لله، يطيل السجود والركوع، ولا يقبل ممن يعذله، ونقلت له كرامات.
ثم قال الضياء: لم أر أحدا أحسن صلاة منه ولا أتم، بخشوع وخضوع، قيل: كان يسبح عشرا يتأنى فيها، وربما قضى في اليوم والليلة صلوات عدة، وكان يصوم يوما، ويفطر يوما، وكان إذا دعا كان القلب يشهد بإجابة دعائه من كثرة ابتهاله وإخلاصه، وكان يمضي يوم الأربعاء إلى مقابر باب الصغير عند الشهداء، فيدعو ويجتهد ساعة طويلة.
ومن دعائه المشهور: " اللهم اغفر لأقسانا قلبا، وأكبرنا ذنبا، وأثقلنا ظهرا، وأعظمنا جرما ".
وكان يدعو: " يا دليل الحيارى دلنا على طريق الصادقين، واجعلنا من عبادك الصالحين ".
وكان إذا أفتى في مسألة يحترز فيها احترازا كثيرا.
قال (1): وأما زهده، فما أعلم أنه أدخل نفسه في شئ من أمر الدنيا، ولا تعرض لها، ولا نافس فيها، وما علمت أنه دخل إلى سلطان ولا وال، وكان قويا في أمر الله، ضعيفا في بدنه، لا تأخذه في الله لومة لائم، أمارا بالمعروف، لا يرى أحدا يسئ صلاته إلا قال له (2) وعلمه.

(1) الكلام كله للشيخ الضياء.
(2) في الأصل: " وله " وليس بشئ.
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»