سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٦ - الصفحة ١٧٤
كان فقيها محققا، وخطيبا بليغا مفوها، له اليوم المشهور الذي ملا فيه الآذان، وبهر العقول، وذلك أن المستنصر بالله. كان مشغوفا بأبي علي القالي، يؤهله لكل مهم، فلما ورد رسول الروم أمره أن يقوم خطيبا على العادة الجارية، فلما شاهد أبو علي الجمع العظيم جبن فلم تحمله رجلاه، ولا ساعده لسانه، وفطن له منذر بن سعيد، فوثب في الحال، وقام مقامه، وارتجل خطبة بديعة، فأبهت الخلق، وأنشد في آخرها لنفسه:
هذا المقال الذي ما عابه فند * لكن صاحبه أزرى به البلد لو كنت فيهم غريبا كنت مطرفا * لكنني منهم فاغتالني النكد لولا الخلافة أبقى الله بهجتها * ما كنت أبقى بأرض ما بها أحد فاستحسنوا ذلك، وصلب الرسول، وقال: هذا كبش رجال الدولة (1).
ومن تصانيفه: كتاب " الانباه عن الاحكام من كتاب الله " وكتاب " الإبانة عن حقائق أصول الديانة ".
قال ابن بشكوال في بعض كتبه: منذر بن سعيد خطيب بليغ مصقع (2)، لم يكن بالأندلس أخطب منه، مع العلم البارع، والمعرفة الكاملة، واليقين في العلوم، والدين، والورع، وكثرة الصيام، والتهجد، والصدع بالحق. كان لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد استسقى غير مرة، فسقي.
ذكر أمير المؤمنين الحكم، فقال: كان فقيها، فصيحا، خطيبا، لم

(1) الخبر بنحو في " معجم الأدباء " 19 / 175، و " نفخ الطيب ": 1 / 372 - 374.
(2) الخطيب المصقع: البليغ الماهر في خطبته، وهو " مفعل " من الصقع، ومعناه:
رفع الصوت ومتابعته، ومفعل: من أبنية المبالغة. " لسان العرب " مادة: صقع.
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»