سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٥ - الصفحة ٥٥٧
أصول ابن وضاح التي سمعها منه، فسمعت عليه، وسمع منه عالم عظيم، وازدحموا عليه.
أخذ عنه: أبو محمد القلعي، وأبو عبد الرحيم أحمد بن العجوز ومحمد بن علي بن الشيخ، وأبو عمر أحمد بن الجسور، وأحمد بن القاسم التاهرتي، وحمل الحافظان ابن عبد البر، وابن حزم عن أصحابه. وقد كان منه هفوة في القول بالقدر، نسأل الله السلامة.
وقال أبو الوليد بن الفرضي: ترك لأنه كان يدعو إلى بدعة وهب بن مسرة (1).
ومما نقل عن ابن مسرة، أنه كان يقول: ليست الجنة التي أخرج منها أبونا آدم بجنة الخلد، بل جنة في الأرض.
فهذا تنطع وتعمق مرذول (2).

(1) انظر " تاريخ علماء الأندلس ": 2 / 81 - 82.
(2) ما أدري كيف تأتى للامام الذهبي أن يصف هذا القول بأنه تنطع وتعمق مرذول، مع أنه قول الإمام أبي حنيفة وغيره من المحققين من أهل السنة، فقد قال الإمام أبو منصور الماتريدي في تفسيره المسمى بالتأويلات: نعتقد أن هذه الجنة بستان من البساتين، أو غيضة من الغياض، كان آدم وزوجه منعمين فيها، وليس علينا تعيينها، ولا البحث عن مكانها، وهذا هو مذهب السلف، وهو قول تكثر الدلائل الموجبة للقول به:
1 - إن الله خلق آدم في الأرض ليكون هو ونسله خليفة فيها، فالخلافة مقصودة منهم بالذات، فلا يصح أن تكون عقوبة عارضة.
2 - أخبر على لسان جميع رسله أن جنة الخلد إنما يكون الدخول إليها يوم القيامة، ولم يأت زمن دخولها بعد.
3 - وصف جنة الخلد في كتابه بصفات، ومحال أن يصف الله سبحانه شيئا بصفة، ثم يكون ذلك الشئ بغير تلك الصفة التي وصفه بها، فقد جاء وصف الجنة التي أعدت للمتقين بأنها دار المقامة، فمن دخلها أقام بها، ولم يقم آدم بالجنة التي دخلها، وجاء في وصفها أنها جنة الخلد، وآدم لم يخلد فيها، وأنها دار ثواب وجزاء، لا دار تكليف وأمر ونهي، وأنها دار سلامة مطلقة، لا دار ابتلاء وامتحان، وقد ابتلي آدم فيها بأعظم الابتلاء، وأنها لا يدخلها، إلا المؤمنون المتقون، فكيف دخلها الشيطان الكافر الملتعن، وأنها دار لا يعصى الله فيها أبدا، وقد عصى آدم ربه في جنته التي دخلها، وأنها ليست دار خوف ولا حزن، وقد حصل للأبوين فيها من الخوف والحزن ما حل، ولا نزاع أن الله سبحانه وتعالى خلق آدم في الأرض، ولم يذكر في موضع واحد أصلا أنه نقله إلى السماء، ولو حصل، لكان أولى بالذكر لأنه من أعظم الآيات.
(٥٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 552 553 554 555 556 557 558 559 560 561 562 ... » »»