سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٦ - الصفحة ٣٩٦
القرآن. فقلت: إذا حفظته فما يكون آخره؟ قالوا: تجلس في المسجد فيقرأ عليك الصبيان والاحداث، ثم لا يلبث أن يخرج فيهم من هو أحفظ منك أو مساويك، فتذهب رئاستك.
قلت: من طلب العلم للرئاسة قد يفكر في هذا، وإلا فقد ثبت قول المصطفى صلوات الله عليه " أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه " (1)، يا سبحان الله! وهل محل أفضل من المسجد؟ وهل نشر لعلم يقارب تعليم القرآن؟ كلا والله. وهل طلبة خير من الصبيان الذين لم يعملوا الذنوب؟ وأحسب هذه الحكاية موضوعة.. ففي إسنادها من ليس بثقة.
تتمة الحكاية: قال قلت: فإن سمعت الحديث وكتبته حتى لم يكن في الدنيا أحفظ مني؟ قالوا: إذا كبرت وضعفت، حدثت واجتمع عليك هؤلاء الاحداث والصبيان. ثم لم تأمن أن تغلط، فيرموك بالكذب، فيصير عارا عليك في عقبك. فقلت: لا حاجة لي في هذا.
قلت: الآن كما جزمت بأنها حكاية مختلقة، فإن الامام أبا حنيفة طلب الحديث وأكثر منه في سنة مئة وبعدها ولم يكن إذ ذاك يسمع الحديث الصبيان، هذا اصطلاح وجد بعد ثلاث مئة سنة، بل كان يطلبه كبار العلماء، بل لم يكن للفقهاء علم بعد القرآن سواه ولا كانت قد دونت كتب الفقه أصلا.
ثم قال: قلت: أتعلم النحو. فقلت: إذا حفظت النحو والعربية، ما يكون

(١) أخرجه البخاري (٥٠٢٧) و (٥٠٢٨) في فضائل القرآن باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وأبو داود (١٤٥٢) في الوتر، باب ثواب قراءة القرآن، والترمذي (٢٠٩٩) في ثواب القرآن، باب: ما جاء في تعلم القرآن. وابن ماجة (٢١١) في المقدمة، باب:
فضل من تعلم القرآن وعلمه، وأحمد ١ / ٥٧، ٥٨، ٦٩، والدارمي ٢ / ٤٣٧ في فضائل القرآن، باب: خياركم من تعلم القرآن وعلمه. من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(٣٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 ... » »»