سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٥ - الصفحة ٢٥٤
سمع ابن عمر، وأنس بن مالك، وسليمان بن يسار، وأبا صالح السمان، وجماعة.
حدث عنه شعبة، ومالك، وسفيان الثوري، وورقاء بن عمر، وسليمان ابن بلال، وابنه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، وإسماعيل بن جعفر، وسفيان بن عيينة، وخلق كثير.
وقد تفرد بحديث عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع الولاء، وعن هبته. متفق على إخراجه في " الصحيحين " (1).
وقد أساء أبو جعفر العقيلي (2) بإيراده في " كتاب الضعفاء " له، فقال: في

(١) أخرجه البخاري ٥ / ١٢١ و ١٢ / ٣٧، ومسلم (١٥٠٦) كلاهما في العتق: باب النهي عن بيع الولاء وهبته. وقد اشتهر هذا الحديث عن عبد الله بن دينار حتى قال مسلم لما أخرجه في " صحيحه ": الناس في هذا الحديث عيال عليه، وقال الترمذي بعد تخريجه: حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن دينار، رواه عنه سعيد وسفيان ومالك، ويروى عن شعبة أنه قال: وددت أن عبد الله بن دينار لما حدث بهذا الحديث أذن لي حتى كنت أقوم إليه، فأقبل رأسه. وقد اعتنى أبو نعيم الأصبهاني بجمع طرقه عن عبد الله بن دينار، فأورده عن خمسة وثلاثين نفسا ممن حدث به عن عبد الله بن دينار..
(٢) هو أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي الحجازي المتوفى بمكة سنة ٣٢٢ ه‍، وقد جرح في كتابه الضعفاء كثيرا من رجال " الصحيحين " وأئمة الفقه وحملة الآثار مما حمل ابن عبد البر وغيره من الأئمة ومنهم المؤلف رحمه الله على تعقبه وبيان ما نأى فيه عن الصواب، وقد قال المؤلف رحمه الله في " ميزانه " في ترجمة علي بن المديني ت (٥٨٧٤): ذكره العقيلي في كتابه الضعفاء فبئس ما صنع، وهذا أبو عبد الله البخاري - وناهيك به قد شحن صحيحه بحديث علي بن المديني، وقال: ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي بن المديني، ولو تركت حديث علي، وصاحبه محمد، وشيخه عبد الرزاق وعثمان بن أبي شيبة، وإبراهيم بن سعد، وعفان، وأبان العطار، وإسرائيل، وأزهر السمان، وبهز بن أسد، وثابت البناني، وجرير بن عبد الحميد، لغلقنا الباب وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، واستولت الزنادقة، ولخرج الدجال، أفمالك عقل يا عقيلي، أتدري فيمن تتكلم؟ وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذب عنهم، ولنزيف ما قيل فيهم، كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات، بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك فهذا مما لا يرتاب فيه محدث، وأنا أشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط، ولا انفرد بما لا يتابع عليه، بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له وأكمل لرتبته، وأدل على اعتنائه بعلم الأثر، وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه [في] الشئ، فيعرف ذلك، فانظر أول شئ إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبار والصغار، ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسنة فيقال له: هذا الحديث لا يتابع عليه!
وكذلك التابعون كل واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم، وما الغرض هذا، فإن هذا مقرر على ما ينبغي في علم الحديث.
وإن تفرد الثقة المتن يعد صحيحا غريبا، وإن تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرا، وإن إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظا أو إسنادا، يصيره متروك الحديث، ثم ما كل أحد فيه بدعه، أو له هفوة، أو ذنوب، يقدح فيه بما يوهن حديثه، ولا من شرط الثقة أن يكون معصوما عن الخطايا والخطأ، ولكن فائدة ذكرنا كثيرا من الثقات الذين فيهم أدنى بدعة أولهم أوهام يسيرة في سعة علمهم أن يعرف أن غيرهم أرجح منهم وأوثق إذا عارضهم أو خالفهم، فزن الأشياء بالعدل والورع.
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»