أما كيفية إسلامه على ما نقله علي بن إبراهيم نذكرها ملخصا ": إنه قدم أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس إلى مكة في عمرة رجب، وكان أسعد صديقا " لعتبة بن ربيعة، فنزل عليه فقال له عتبة: خرج فينا رجل يدعي أنه رسول الله، سفه أحلامنا، و سب آلهتنا. فقال له أسعد: من هو منكم؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، من أوسطنا شرفا "، وأعظمنا بيتا ".
وكان أسعد وذكوان، وجميع الأوس و الخزرج يسمعون من اليهود أن هذا أوان خرج نبي يخرج بمكة، يكون مهاجره بالمدينة. فلما سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود قال: فأين هو؟ قال: جالس في الحجرة، و لا يخرجون من شعبهم إلا في الموسم، فلا تسمع منه ولا تكلمه فإنه ساحر، وضع في أذنيك القطن حتى لا تسمع كلامه.
فدخل المسجد وقد حشا أذنيه بالقطن، فطاف بالبيت، ورسول الله صلى الله عليه وآله جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم، فنظر إليه نظرة فجازه. فلما كان في الشوط الثاني قال في نفسه: ما أحد أجهل مني. أيكون مثل هذا الحديث بمكة فلا أتعرفه حتى أرجع إلى قومي فأخبرهم؟! فأخذ القطن من أذنيه ورمى به، وقال لرسول الله: أنعم صباحا ". فرفع رسول الله رأسه إليه وقال: قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا، تحية أهل الجنة، السلام عليكم. فقال له أسعد: إلى ما تدعو يا محمد؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأدعوكم أن لا تشركوا به شيئا "، وبالوالدين إحسانا "، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق - ثم ذكر إلى آخر الآيات.
فلما سمع أسعد هذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. و تكلم بكلمات تدل على رسوخ الإيمان في قلبه. ثم أقبل ذكوان، فقال له أسعد: هذا رسول الله الذي كانت اليهود تبشرنا به، وتخبرنا بصفته، فهلم وأسلم. فأسلم ذكوان، ثم قالا: يا رسول الله، ابعث معنا رجلا " يعلمنا القرآن ويدعو الناس إلى أمرك. فأمر الرسول صلى الله عليه وآله مصعب بن عمير أن يخرج مع أسعد، و قد كان تعلم من القرآن كثيرا ".