الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٥١
وهذا برهان ضروري، ولا محيد عنه، بين لا إشكال فيه على من له أقل فهم، وليس هذا طريق اختصار، ولا تنبيه ولا بيان، ولكنه خبط وإشكال وإفساد وتدليس.
ولا تنبيه ولا بيان فيمن يريد أن يعلمنا حكم الصداق، فلا يذكر صداقا ويدلنا على ذلك بما نقطع فيه اليد، أيريد الاكل فيذكر الوطئ، أو يريد الجوز فيذكر الملح، أو يريد المخطئ فيذكر المتعمد، وهذا تكليف ما لا يطاق، وإلزام لعلم الغيب والكهانة، وإيجاب للحكم بالظن الكاذب، تعالى الله عن ذلك وتنزه رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه.
وإنما الاختصار وجوامع الكلم والتنبيه أن يأتي إلى المعنى الذي يعبر عنه بألفاظ كثيرة فيبينه بألفاظ مختصرة جامعة يسيرة، لا يشذ عنها شئ من المراد بها البتة، ولا تقتضي من غير المراد بها شيئا أصلا، فهذا هو حقيقة الاختصار والبيان والتنبيه. وذلك مثل قول الله تعالى: * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * فدخل تحت هذا اللفظ ما لو تقصى لملئت منه أسفار عظيمة، من ذكر قطع الأعضاء عضوا عضوا، وكسرها عضوا عضوا، والجراحات جرحا جرحا، والضرب هيئة هيئة، وذكر أحد الأحوال وسائر ما يقتضيه هذا المعنى من تولي المجني عليه للاقتصاص، ونفاذ أمره في ذلك.
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: جرح العجماء جبار وسائر كلامه صلى الله عليه وسلم.
وأما من إسقاط معاني أرادها، فلم يذكرها بالاسم الموضوع لها في اللغة التي بها خوطبنا، وطمع أن يدل عليها باسم غير موضوع لها في اللغة:، فهذا فعل الشيطان المريد إفساد الدين والتخليط على المسلمين، لا فعل رب العالمين، وخاتم النبيين. وبالله تعالى نستعين.
فإن قالوا: لسنا نقول: إنه تنزل نازلة لا توجد في القرآن والسنة، لكنا نقول إنه يوجد حكم بعض النوازل نصا وبعضها بالدليل.
قيل لهم، وبالله تعالى التوفيق: إن هذا حق، ولكن إذا كان هذا الدليل الذي تذكرون لا يحتمل إلا وجها واحدا. فهذا قولنا لا قولكم، وأما إن كان ذلك الدليل يحتمل وجهين فصاعدا فهذا ينقسم على قسمين: إما أن يكون هنالك نص آخر بين مراد الله تعالى من ذينك الوجهين فصاعدا بيانا جليا أو إجماع كذلك،
(١٠٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1049 1050 1051 1052 1053 1054 1055 1056 1057 1058 1059 ... » »»
الفهرست