فالأظهر عندي فيه: أنه لا يلزمه الرجوع إلى الحج، لأنه دخل في الصوم بوجه جائز وأنه ينبغي له أن ينتقل إلى الهدي، واستحباب الانتقال إلى الهدي هو مذهب مالك، ومن وافقه. وممن وافقه الحسن، وقتادة والشافعي وأحمد. وعن ابن أبي نجيح، وحماد، والثوري، والمزني: إن وجد الهدي، قبل أن يكمل صوم الثلاثة، فعليه الهدي. وقيل: متى قدر على الهدي قبل يوم النحر انتقل إليه صام، أو لم يصم، والأظهر ما قدمنا والله أعلم.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي: أنه إن فاته صوم الثلاثة في وقتها، إلى ما بعد أيام التشريق أنه يجري على القاعدة الأصولية التي هي: هل يستلزم الأمر المؤقت القضاء، إذا فات وقته، أو لا يستلزمه؟ وقد قدمنا الكلام على تلك المسألة مستوفى في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى: * (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلواة) *.
فعلى القول: بأن الأمر يستلزم القضاء فلا إشكال في قضاء الثلاثة، بعد وقتها وعلى القول: بأنه لا يستلزم القضاء يحتمل أن يقال: بوجوب القضاء لعموم حديث: (فدين الله أحق أن يقضى) ويحتمل أن يقال بعدمه، بناء على أن صوم الثلاثة في الحج، ليكون ذلك مسوغا لقضاء التفث، لأن الدم مسوغ لقضاء التفث، ممن عنده هدي فلا يبعد أن يكون بعض الصوم، قدم لينوب عن الدم في تسويغ قضاء التفث. وعلى هذا الاحتمال: لا يظهر القضاء، ولا يبعد لزوم الدم للإخلال بالصوم في وقته، والعلم عند الله تعالى.
أما لزوم صوم السبعة بعد الرجوع، إلى أهله، فالذي يظهر لي: لزومه لمن لم يجد الهدي مطلقا: وأنه لا يسقط بحال لأن وجوبه ثابت بالقرآن فلا يمكن إسقاطه، إلا بدليل واضح، يجب الرجوع إليه. فجعل الدم بدلا منه إن فات صوم الثلاثة في وقتها، ليس عليه دليل يوجب ترك العمل بصريح القرآن في قوله: * (وسبعة إذا رجعتم) *.
تنبيه إذا أخر الحاج طواف الإفاضة، عن أيام التشريق إلى آخر ذي الحجة مثلا، فهل يجزئه حينئذ صوم الأيام الثلاثة لأنه لم يزل في الحج، لبقاء ركن منه، ولأنه لا يجوز له الرفث إلى النساء، لأنه لم يزل في الحج، أو لا يجوز له صومها نظرا إلى أن وقت الطواف، الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم وقال (لتأخذوا عني مناسككم) قد فات؟ وهذا التأخير مخالف