تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٢٠٩
موضع المضاف أو وصفا لذلك بالمصدر مبالغة، وهو خبر لكانوا و * (من آياتنا) * حال منه كما هو قاعدة نعت النكرة إذا تقدم عليها، وجوز أبو البقاء أن يكون * (عجبا. ومن آياتنا) * خبرين وأن يكون * (عجبا) * حالا من الضمير في الجار والمجرور وليس بذاك، والمعنى أن قصتهم وإن كانت خارقة للعادة ليست بعجيبة بالنسبة إلى سائر الآيات التي من جملتها ما تقدم، ومن هنا يعلم وجه الربط، وفي " الكشف " أنه تعالى ذكر من الآيات الكلية وإن كان لتسليته صلى الله عليه وسلم وإنه لا ينبغي أن يبخع نفسه على آثارهم فالمسترشد يكفيه أدنى إشارة والزائغ لا تجدي فيه آيات النذارة والبشارة ما يشتمل على أمهات العجائب وعقبه سبحانه بقوله: * (أم حسبت) * الخ يعني أن ذلك أعظم من هذا فمن لا يتعجب من ذلك لا ينبغي أن يتعجب من هذا وأريد من الخطاب غيره صلى الله عليه وسلم لأنه كان يعرف من قدرته تعالى ما لا يتعاظمه لا الأول ولا الثاني فأنكر اختلافهم في حالهم تعجبا وإضرابهم عن مثل تلك الآيات البينات والاعتراض عليه بأن الإضراب عن الكلام الأول إنما يحسن إذا كان الثاني اغرب ليحصل الترقي، وإيثار أن الهمزة للتقرير وهو قول آخر في الآية لذلك غير قادح لأن تعجبهم عن هذا دون الأول هو المنكر وهو الأغرب فافهم، وبأن المنكر ينبغي أن يكون مقررا عند السامع معلوما عنده، وهذا ابتداء إعلام منه تعالى على ما يعرف من سبب النزول كذلك لأن الإنكار من تعجبهم ويكفي في ذلك معرفتها إجمالا وكانت حاصلة كيف وقد علمت أنه راجع إلى الغير أعني أصحاب الكتاب الذين أمروا قريشا بالسؤال وكانوا عالمين، ثم إنه مشترك الإلزام لأن التقرير أيضا يقتضي العلم بل أولى انتهى، وقال الطبري: المراد إنكار ذلك الحسبان عليه عليه الصلاة والسلام على معنى لا يعظم ذلك عندك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة فإن سائر آيات الله تعالى أعظم من قصتهم وزعم أن هذا قول ابن عباس. ومجاهد. وقتادة. وابن إسحاق وفي القلب منه شيء، وقيل: المراد من الاستفهام إثبات أنهم عجب كأنه قيل اعلم أنهم عجب كما تقول أعلمت أن فلانا فعل كذا أي قد فعل فاعلمه.
والمقصود بالخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا وليس بشيء، وزعم الطيبي أن الوجه أن يجري الكلام على التسلي والاستفهام على التنبيه ويقال: إنه عليه الصلاة والسلام لما أخذه من الكآبة والأسف من إباء القوم عن الإيمان ما أخذه قيل له ما قيل وعلل بقوله تعالى: * (إنا جعلنا) * (الكهف: 7) إلى آخره على معنى أنا جعلنا ذلك لنختبرهم وحين لم تتعلق إرادتنا بإيمانهم تشاغلوا به عن آياتنا وشغلوا عن الشكر وبدلوا الإيمان بالكفران فلم نبال بهم وإنا لجاعلون أبدانهم جزرا لأسيافكم كما إنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ألا ترى إلى أولئك الفتيان كيف اهتدوا وفروا إلى الله تعالى وتركوا زينة الدنيا وزخرفها فأووا إلى الكهف قائلين: * (ربنا ءاتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا) * (الكهف: 10) وكما تعلقت الإرادة بإرشادهم فاهتدوا تتعلق بإرشاد قوم من أمتك يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين اه‍، ويكاد يكون أعجب من قصة أهل الكهف فتأمل، والحسبان إما بمعنى الظن أو بمعنى العلم وقد استعمل بالمعنيين، والكهف النقب المتسع في الجبل فإن لم يكن واسعا فهو غار، وأخرج ابن أبي حاتم أنه غار الوادي، وعن مجاهد أنه فرجة بين الجبلين، وعن أنس هو الجبل وهو غير مشهور في اللغة، والرقيم اسم كلبهم على ما روي عن أنس والشعبي وجاء في رواية عن ابن جبير ويدل عليه قول أمية بن أبي الصلت: وليس بها إلا الرقيم مجاورا * وصيدهمو والقوم في الكهف هجدا
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»