تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١١٤
يريه إبليس فرآه فسأله هل تطمع في رحمة الله تعالى؟ فقال: كيف لا أطمع فيها والله سبحانه يقول: * (ورحمتي وسعت كل شيء) * (الأعراف: 156) وأنا شيء من الأشياء فقال التستري: ويلك إن الله تعالى قيد في آخر الآية فقال إبليس له: ويحك ما أجهلك القيد لك لا له، ولعله يزعم أن آيات الوعيد مطلقا مقيدة بالمشيئة وإن لم تذكر كما يقوله بعض الأشاعرة في آيات الوعيد للعصاة من المؤمنين.
السؤال الثاني: ما الحكمة في أن الله تعالى أنظهره إلى يوم القيامة ومكنه من الوسوسة؟ والحكيم إذا أراد أمرا وعلم أن له مانعا يمنع من حصوله لا يسعى في تحصيل ذلك المانع، والجواب أما على مذهبنا فظاهر، وأما العتزلة فقال الجبائي منهم: إن الله تعالى علم أن الذين يكفرون عند وسوسة إبليس يكفرون بتقدير أن لا يوجد وحينئذ لم يكن في وجوده مزيد مفسدة، وقال أبو هاشم: لا يبعد أن يحصل من وجوده مزيد مفسدة إلا أنه تعالى أبقاه تشديدا للتكليف على الخلق ليستحقوا بذلك مزيد الثواب. وأنا أقول: إن إبليس ليس مانعا مما يريده الله جل مجده وتعالى جده فما شاء الله سبحانه كان وما لم يشأ لم يكن والله تبارك وتعالى خلق الخلق طبق علمه وعلم به طبق ما هو عليه في نفسه فافهم والله تعالى أعلم.
* (ربكم الذى يزجى لكم الفلك فى البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما) * * (ربكم الذي يزجى لكم الفلك في البحر) * مبتدأ وخير، وقيل الموصول صفة * (ربكم) * وهو صفة لقوله تعالى * (الذي فطركم) * أو بدل منه وذلك جائز وإن تباعد ما بينهما اه‍، وفيه ما فيه، وأصل الأزجاء السوق حالا بعد حال والمراد به الإجراء وكأن اختياره عليه لما أنه أدل منه على القسر وهو أوفق بالمقام وأعظم في الانعام أي هو سبحانه وتعالى القادر الحكيم الذي يجري لنفكم السفن في البحر بالريح اللينة وبالآلات حسبما جرت به عادته تعالى * (لتبتغوا من فضله) * تصريح بالنفع أي لتطلبوا من رزقه الذي هو فضل من قبله سبحانه أو من الربح الذي هو جل شأنه معطيه، ومن تبعيضية وتفسير الفضل بالحج أو الغزو غير مناسب، وهذا تذكير لبعض النعم التي هي دلائل التوحيد الذي هو المراد الأصلي من البعثة وتمهيد لذكر توحيدهم عند مساس الضر تكملة لما مر من قوله سبحانه: * (فلا يملكون) * (الإسراء: 56) الآية * (إنه كان) * أزلا وأبدا * (بكم رحيما) * حيث هيأ لكم ما تحتاجون إليه وسهل عليكم ما يعسر من مباديه، وهذا تذليل فيه تعليل لما سبق من الإجاء والابتغاء للفضل، وصيغة الرحيم كما في إرشاد العقل السليم للدلالة على أن المراد بالرحمة الرحمة الدنيوية والنعمة العاجلة المنقسمة إلى الجليلة والحقيرة، وهو مبني على اختصاص الرحيم بالدنيا كما هو المشهور، وعليه يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا، وقيل بعدم الاختصاص وعليه يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.
* (وإذا مسكم الضر فى البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نج‍اكم إلى البر أعرضتم وكان الإنس‍ان كفورا) * * (وإذا مسكم الضر في البحر) * خوف الغرق بعصف الريح وتقاذف الأمواج * (ضل من تدعون) * أي ذهب عن خواطر كم كل من تدعونه وترجون نفعه فلا تذكرونه * (إلا إياه) * جل وعلا فإنكم تذكرونه وحده سبحانه لا تذكرون سواه ولا يخطر ببالكم غيره تعالى لكشف ما حل بكم من الضر استقلالا أو اشتراكا فالمراد بضلالهم غيبتهم عن الكفر لا عن النظر والحسن لأنه أمر معلوم من قولهم: ضل عنه كذا إذا نسيه، وفي " الكشف " هو من ضل عنه كذا إذا ضاع ولا حاجة إلى تضمين أو من ضله فلان ذهب عنه فلم يقدر عليه ذكره الأزهري وأنشد.
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»