تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١١٥
ما توعدون) * (الأنبياء: 109) والإظهار في موضع الإضمار لزيادة التقرير، و * (أن يتبع) * في حيز النصب أو الجر بعد حذف الجار على الخلاف المعروف في مثله أو بأن يتبع * (إلا أن يهدى) * استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لا يهتدي أو لا يهدي غيره في حال من الأحوال إلا حال هدايته تعالى له إلى الاهتداء أو إلى هداية الغير، وهذا على ما قاله جمع حال أشراف شركائهم كالمسيح وعزير والملائكة عليهم السلام دون الأوثان لأن الاهتداء الذي هو قبول الهداية وهداية الغير مختصان بذوي العلم فلا يتصور فيها. وأخرج ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ. وغيرهما أن المراد الأوثان؛ ووجه ذلك بأنه جار على تنزيلهم لها منزلة ذوي العلم، وقيل: المعنى أم من لا يهتدي من الأوثان إلى مكان فينقل إليه إلا أن ينقل إليه أو إلا أن ينقله الله تعالى من حاله إلى أن يجعله حيوانا مكلفا فيهديه وهو من قولك: هديت المرأة إلى زوجها وقد هديت إليه وقيل: الآية الأولى * (قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده) * (يونس: 34) في الأصنام أو فيما يعمهم ونحو الملائكة عليهم السلام وهذه في رؤساء الضلالة كالأحبار والرهبان الذين اتخذوا أربابا من دون الله وليس بالعيد فيما أرى، ويؤيده التعبير بالاتباع فإنه يقتضي العمل بأوامرهم والاجتناب عن نواهيهم وهذا لا يعقل في الأوثان إلا بتكلف، وهو وإن عقل في أشراف شركائهم لكنهم لا يدعون إلا إلى خير واتباعهم في ذلك لا ينعى على أحدهم اللهم إلا أن يقال: إن المشركين تقولوا عليهم أوامر ونواهي فنعى عليهم اتباعهم لهم في ذلك، وعبر بالاتباع ولم يعبر بالعبادة بأن يقال: أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يعبد أم من لا يهدي إلا أن يهدى مع أن الآية متضمنة إبطال صحة عبادتهم من حيث أنهم لا يهدون وأدنى مراتب العبودية هداية المعبود لعبدته إلى ما فيه صلاح أمرهم مبالغة في تفظيع حال عبادتهم لأنه إذا لم يحسن الاتباع لم تحسن العبادة بالطريق الأولى وإذا قبح حال ذاك فحال هذه أقبح والله تعالى أعلم. وقرىء إلا أن * (يهدي) * مجهولا مشددا دلالة على المبالغة في الهداية * (فمالكم) * أي أي شيء لكم في اتخاذ هؤلاء العاجزين شركاء لله سبحانه وتعالى، والكلام مبتدأ وخبر والاستفهام للإنكار والتعجب.
وعن بعض النحاة أن مثل هذا التركيب لا يتم بدون حال بعده نحو قوله تعالى: * (فما لكم عن التذكرة معرضين) * فلعل الحال هنا محذوف لظهوره كأنه قيل: فما لكم متخذين هؤلاء شركاء ولا يصح أن يكون قوله عز وجل: * (كيف تحكمون) * في موضع الحال لأن الجملة الاستفهامية لا تقع حالا بل هو استفهام آخر للإنكار والتعجب أيضا أي كيف تحكمون بالباطل الذي يأباه صريح العقل ويحكم ببطلانه من اتخاذ الشركاء لله جل وعلا، والفاء لترتيب الإنكار على ما ظهر من وجوب اتباع الهادي.
* (وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغنى من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون) * * (وما يتبع أكثرهم إلا ظنا) * كلام مبتدأ غير داخل في حيز الأمر مسوق من جهته تعالى لبيان سوء إدراكهم وعدم فهمهم لمضمون ما أفحمهم من البراهين النيرة الموجبة للتوحيد أي ما يتبع أكثرهم في معتقداتهم ومحاوراتهم إلا ظنا واهيا مستند إلى خيالات فارغة وأقيسة باطلة كقياس الغائب على الشاهد وقياس الخالق على المخلوق بأدنى مشاركة موهومة ولا يلتفتون إلى فرد من أفراد العلم فضلا عن أن يسلكوا مسالك الأدلة الصحيحة الهادية إلى الحق فيفهموا مضمونها ويقفوا على صحتها وبطلان ما يخالفها، فالمراد بالاتباع مطلق الانقياد الشامل لما يقارن القبول والانقياد وما لا يقارنه وبالقصر ما أشير إليه من أن لا يكون لهم في أثنائه اتباع لفراد من أفراد العلم والتفات إليه. وتنكير * (ظنا) * للنوعية، وفي تخصيص هذا الاتباع بالأكثر الإشارة إلى أن منهم من قد يتبع فيقف
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»