تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٦٤
كناية عن الخلق، أي وخلقك فحسن، قاله الحسن والقرطبي، ومنه قوله:
* ويحيى ما يلائم سوء خلق * ويحيى طاهر الأثواب حر * أي: حسن الأخلاق. وقرأ الجمهور: والرجز بكسر الراء، وهي لغة قريش؛ والحسن ومجاهد والسلمي وأبو جعفر وأبو شيبة وابن محيصن وابن وثاب وقتادة والنخعي وابن أبي إسحاق والأعرج وحفص: بضمها، فقيل: هما بمعنى واحد، يراد بهما الأصنام والأوثان. وقيل: الكسر للبين والنقائص والفجور، والضم لصنمين أساف ونائلة. وقال عكرمة ومجاهد والزهري: للأصنام عموما. وقال ابن عباس: الرجز: السخط، أي اهجر ما يؤدي إليه. وقال الحسن: كل معصية، والمعنى في الأمر: أثبت ودم على هجره، لأنه صلى الله عليه وسلم) كان بريئا منه. وقال النخعي: الرجز: الإثم. وقال القتبي: العذاب، أي اهجر ما يؤدي إليه.
وقرأ الجمهور: * (ولا تمنن) *، بفك التضعيف؛ والحسن وأبو السمال: بشد النون. قال ابن عباس وغيره: لا تعط عطاء لتعطي أكثر منه، كأنه من قولهم: من إذا أعطى. قال الضحاك: هذا خاص به صلى الله عليه وسلم)، ومباح ذلك لأمته، لكنه لا أجر لهم. وعن ابن عباس أيضا: لا تقل دعوت فلم أجب. وعن قتادة: لا تدل بعملك. وعن ابن زيد: لا تمنن بنبوتك، تستكثر بأجر أو كسب تطلبه منهم. وقال الحسن: تمنن على الله بجدك، تستكثر أعمالك ويقع لك بها إعجاب، وهذه الأقوال كلها من المن تعداد اليد وذكرها. وقال مجاهد: * (ولا تمنن تستكثر) * ما حملناك من أعباء الرسالة، أو تستكثر من الخير، من قولهم: حبل متين: أي ضعيف. وقيل: ولا تعط مستكثرا رائيا لما تعطيه. وقرأ الجمهور: تستكثر برفع الراء، والجملة حالية، أي مستكثرا. قال الزمخشري: ويجوز في الرفع أن تحذف أن ويبطل عملها، كما روي: أحضر الوغى بالرفع. انتهى، وهذا لا يجوز أن يحمل القرآن عليه، لأنه لا يجوز ذلك إلا في الشعر، ولنا مندوحة عنه مع صحة الحال، أي مستكثرا. وقرأ الحسن وابن أبي عبلة: بجزم الراء، ووجهه أنه بدل من تمنن، أي لا تستكثر، كقوله: * (يضاعف له العذاب) * في قراءة من جزم، بدلا من قوله: * (يلق) *، وكقوله:
* متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا * تجد حطبا جزلا ونارا تأججا * ويكون من المن الذي في قوله تعالى: * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) *، لأن من شأن المان أن يستكثر ما يعطي أن يراه كثيرا ويعتد به؛ وأجاز الزمخشري فيه وجهين، أحدهما: أن تشبه ثرو بعضد فتسكن تخفيفا؛ والثاني: أن يعتبر حال الوقف، يعني فيجري الوصل مجرى الوقف، وهذان لا يجوز أن يحمل القرآن عليهما مع وجود ما هو راجح عليهما، وهو المبدل. وقرأ الحسن أيضا والأعمش: تستكثر بنصب الراء، أي لن تحقرها. وقرأ ابن مسعود: أن تستكثر، بإظهار أن. * (ولربك فاصبر) *: أي لوجه ربك أمره بالصبر، فيتناول الصبر على تكاليف النبوة، وعلى أداء طاعة الله، وعلى أذى الكفار. قال ابن زيد: على حرب الأحمر والأسود، فكل مصبور عليه ومصبور عنه يندرج في الصبر. وقال الزمخشري: والفاء في قوله: * (فإذا نقر) * للتسبب، كأنه قيل: فاصبر على أذاهم، فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى عاقبة صبرك عليه. وقال الزمخشري: والفاء في * (فذلك) * للجزاء. فإن قلت: بم انتصب إذا،
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»