دقائق التفسير - ابن تيمية - ج ٢ - الصفحة ٣٧
وكذلك شرع الله قتل ما يباح قتله من الآدميين والبهائم إذا قدر عليه على هذا الوجه وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته وقال إن أعف الناس قتلة أهل الإيمان وأما الصلب المذكور فهو رفعهم على مكان عال ليراهم الناس ويشتهر أمرهم وهو بعد القتل عند جمهور العلماء ومنهم من قال يصلبون ثم يقتلون وهم مصلبون وقد جوز بعض العلماء قتلهم بغير السيف حتى قال يتركون على المكان العالي حتى يموتوا حتف أنوفهم بلا قتل فأما التمثيل في القتل فلا يجوز إلا على وجه القصاص وقد قال عمران بن حصين رضي الله عنهما ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانها عن المثلة حتى الكفار إذا قتلناهم فإنا لا نمثل بهم بعد القتل ولا نجدع آذانهم وأنوفهم ولا نبقر بطونهم إلا أن يكونوا فعلوا ذلك بنا فنفعل بهم ما فعلوا والترك أفضل كما قال الله تعالى * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله) * قيل إنها نزلت لما مثل المشركون بحمزة وغيره من شهداء أحد رضي الله عنهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بضعفي ما مثلوا بنا فأنزل الله هذه الآية وإن كانت قد نزلت قبل ذلك بمكة مثل قوله * (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) * وقوله * (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) * وغير ذلك من الآيات التي نزلت بمكة ثم جرى بالمدينة سبب يقتضي الخطاب فأنزلت مرة ثانية فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل نصبر وفي صحيح مسلم عن بريدة بن الخصيب رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»