على البدل، وكل واحد من تلك الأحوال المقدرة فإنه بتقدير الوقوع يدل على الافتقار إلى وجود الصانع الحكيم الرحيم، فثبت بما ذكرنا أن هذا النوع من المباحث غير متناه. وأما تحصيل الهداية بطريق الرياضة والتصفية فذلك بحر لا ساحل له، ولكل واحد من السائرين إلى الله تعالى منهج خاص، ومشرب معين، كما قال: * (ولكل وجهة هو موليها) * (البقرة: 148) ولا وقوف للعقول على تلك الأسرار، ولا خبر عند الأفهام من مبادئ ميادين تلك الأنوار، والعارفون المحققون لحظوا فيها مباحث عميقة، وأسرارا دقيقة، فلما ترقى إليها أفهام الأكثرين.
* (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين) *.
الفصل الثاني في تقرير مشرع آخر يدل على أنه يمكن استنباط المسائل الكثيرة من الألفاظ القليلة ولنتكلم في قولنا: * (أعوذ بالله) * فنقول: أعوذ نوع من أنواع الفعل المضارع، والفعل المضارع نوع من أنواع الفعل، وأما الباء في قوله " بالله " فهي باء الإلصاق، وهي نوع من أنواع حروف الجر، وحروف الجر نوع من أنواع الحروف. وأما قولنا " الله " فهو اسم معين: إما من أسماء الأعلام، أو من الأسماء المشتقة، على اختلاف القولين فيه، والاسم العلم والاسم المشتق كل واحد منهما نوع من أنواع مطلق الاسم، وقد ثبت في العلوم العقلية، أن معرفة النوع ممتنع حصولها إلا بعد معرفة الجنس، لأن الجنس جزء من ماهية النوع، والعلم بالبسيط مقدم على العلم بالمركب لا محالة، فقولنا: * (أعوذ بالله) * لا يمكن تحصيل العلم به كما ينبغي إلا بعد معرفة الاسم والفعل والحرف أولا، وهذه المعرفة لا تحصل إلا بعد ذكر حدودها وخواصها، ثم بعد الفراغ منه لا بد من تقسيم الاسم إلى الاسم العلم، وإلى الاسم المشتق، وإلى اسم الجنس، وتعريف كل واحد من هذه الأقسام بحده ورسمه وخواصه، ثم بعد الفراغ منه يجب الكلام في أن لفظة * (الله) * اسم علم، أو اسم مشتق، وبتقدير أن يكون مشتقا فهو مشتق من ماذا؟ ويذكر فيه الوجوه الكثيرة التي قيل بكل واحد منها، وأيضا يجب البحث