رسول الله وكانوا صادقين فيه، فوجب أن يقال إنهم كانوا كاذبين في كلام آخر سوى اللفظ وما هو إلا كلام النفس، ولقائل أن يقول: لا نسلم أنهم ما كانوا كاذبين في القول اللساني، قوله: " أخبروا أن محمدا رسول الله " قلنا: لا نسلم بل أخبروا عن كونهم شاهدين بأن محمدا رسول الله، لأنهم كانوا قالوا: * (نشهد أنك لرسول الله) * (المنافقون: 1) والشهادة لا تحصل إلا مع العلم، وهم ما كانوا عالمين به، فثبت أنهم كانوا كاذبين، فيما أخبروا عنه بالقول اللساني، وأما الأثر فما نقل أن عمر قال يوم السقيفة: كنت قد زورت في نفسي كلاما فسبقني إليه أبو بكر، وأما الشاعر فقول الأخطل: - فإن الكلام لفي الفؤاد وإنما * جعل اللسان على الفؤاد دليلا وأما اللذين أنكروا كون المعنى القائم بالنفس يسمى بالكلام فقد احتجوا عليه بأن من لم ينطق ولم يتلفظ بالحروف يقال إنه لم يتكلم، وأيضا الحنث والبر يتعلق بهذه الألفاظ، ومن أصحابنا من قال: اسم القول والكلام مشترك بين المعنى النفساني وبين اللفظ اللساني.
المسألة التاسعة عشرة: هذه الكلمات والعبارات قد تسمى أحاديث، قال الله تعالى: * (فليأتوا بحديث مثله) * (الطور: 34) والسبب في هذه التسمية أن هذه الكلمات إنما تتركب من الحروف المتعاقبة المتوالية فكل واحد من تلك الحروف يحدث عقيب صاحبه، فلهذا السبب سميت بالحديث ويمكن أيضا أن يكون السبب في هذه التسمية أن سماعها يحدث في القلوب العلوم والمعاني، والله أعلم.
المسألة العشرون: ههنا ألفاظ كثيرة، فأحدها: الكلمة، وثانيها: الكلام، وثالثها: القول، ورابعها: اللفظ، وخامسها: العبارة، وسادسها: الحديث، وقد شرحناها بأسرها، وسابعها: النطق ويجب البحث عن كيفية اشتقاقه، وأنه هل هو مرادف لبعض تلك الألفاظ المذكورة أو مباين لها، وبتقدير حصول المباينة فما الفرق.
المسألة الحادية والعشرون: في حد الكلمة، قال الزمخشري في أول " المفصل ": الكلمة هي اللفظة الدالة على معنى مفرد بالوضع. وهذا التعريف ليس بجيد، لأن صيغة الماضي كلمة مع أنها لا تدل على معنى مفرد بالوضع، فهذا التعريف غلط، لأنها دالة على أمرين: حدث وزمان وكذا القول في أسماء الأفعال، كقولنا: مه، وصه، وسبب الغلط أنه كان يجب عليه جعل المفرد صفة للفظ، فغلط وجعله صفة للمعنى.
اللفظ مهمل ومستعمل وأقسامه:
المسألة الثانية والعشرون: اللفظ إما أن يكون مهملا، وهو معلوم، أو مستعملا وهو على ثلاثة أقسام: أحدها: أن لا يدل شيء من أجزائه على شيء من المعاني البتة، وهذا