المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٩٦
سورة الأنبياء الآية 8788 التقدير واذكر ذا النون والنون الحوت وصاحبه يونس بن متى عليه السلام ونسب إلى الحوت الذي التقمه على الحالة التي يأتي ذكرها في موضعها الذي يقتضيه وهو نبي من أهل نينوى وهذا هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال إني خير من يونس بن متى فقد كذب وفي حديث آخر لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى وهذا الحديث وقوله لا تفضلوني على موسى يتوهم أنهما يعارضان قوله عليه السلام على المنبر أنا سيد ولد آدم ولا فخر والانفصال عن هذا بوجهين أحدهما ذكره الناس وهو أن يكون قوله أنا سيد ولد آدم متأخرا في التاريخ وأنها منزلة أعلمه الله تعالى بها لم يكن علمها وقت تلك المقالات الأخر والوجه الثاني وهو عندي أحرى مع حال النبي عليه السلام أنه إنما نهي عن التفضيل بين شخصين مذكورين وذهب مذهب التواضع ولم يزل سيد ولد آدم ولكنه نهى أن يفضل على موسى كراهية أن تغضب لذلك اليهود فيزيد نفارها عن الإيمان وسبب الحديث يقتضي هذا وذلك أن يهوديا قال لا والذي فضل موسى على العالمين فقال له رجل من الأنصار تقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ولطمه فشري الأمر وارتفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنهى عن تفضيله على موسى ونهى عليه السلام عن تفضيله على يونس لئلا يظن أحد بيونس نقص فضيلة بسبب ما وقع له فنهيه عليه السلام عن التفضيل على شخص معين وقوله في حديث ثالث لا تفضلوا بين الأنبياء وهذا كله مع قوله أنا سيد ولد آدم وإطلاق الفضل له دون اقتران بأحد بين صحيح وتأمل هذا فإنه يلوح وقد قال عمر رضي الله عنه للحطيئة امدح ممدوحك ولا تفضل بعض الناس على بعض.
قال القاضي أبو محمد ولفظه سيد ولفظه خير شيئان فهذا مبدأ جمع آخر بين الأحاديث يذهب ما يظن من التعارض وقوله * (مغاضبا) * قيل إنه غاضب قومه حين طال عليه أمرهم وتعنتهم فذهب فارا بنفسه وقد كان الله تعالى أمره بملازمتهم والصبر على دعائهم فكان ذنبه في مخالفة هذا الأمر وروي أنه كان شابا فلم يحمل أثقال النبوءة وتفسخ تحتها كما يتفسخ الربع تحت الحمل ولهذا قيل للنبي صلى الله عليه وسلم * (ولا تكن كصاحب الحوت) * أي اصبر ودم على الشقاء بقومك وقالت فرقة إنما غاضب الملك الذي كان على قومه ع وهذا نحو من الأول فيما يلحق منه يونس عليه السلام وقال الحسن بن أبي الحسن وغيره إنما ذهب * (مغاضبا) * ربه واستفزه إبليس ورووا في ذلك أن يونس لما طال عليه أمر قومه طلب من الله تعالى عذابهم فقيل له إن العذاب يجيئهم يوم كذا فأخبرهم يونس بذلك فقالوا إن رحل عنا فالعذاب نازل وإن أقام بيننا لم نبال فلما كان سحر ذلك اليوم قام يونس فرحل فأيقنوا بالعذاب فخرجوا بأجمعهم إلى البراز وفرقوا بين صغار البهائم وأمهاتها وتضرعوا وتابوا فرفع الله تعالى عنهم العذاب وبقي يونس في موضعه الذي خرج إليه فنظر فلما عرف أنهم لم يعذبوا ساءه أن عدوه كاذبا وقال والله لا انصرفت
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»