المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٥٥
الكلام في هذه الآية على جهة وصف الحال وضم بعض الأمور إلى بعض فضرب موسى عليه السلام البحر فانفلق اثنتي عشرة فرقة طرقا واسعة بينها حيطان ماء واقف فدخل موسى عليه السلام بعد ان بعث الله تعالى ريح الصبا فجففت تلك الطرق حتى يبست ودخل بنو إسرائيل ووصل فرعون إلى المدخل وبنو إسرائيل كلهم في البحر فرأى الماء على تلك الحال فجزع قومه واستعظموا الأمر فقال لهم إنما انفلق لي من هيبتي وهاهنا كمل إضلاله لهم وحمله الله تعالى على الدخول وجاء جبريل عليه السلام راكبا على فرس أنثى فدخل فأتبعها فرس فرعون وتتابع الناس حتى تكاملوا في البحر فانطبق عليهم فسمع بنو إسرائيل انطباق البحر وهم قد خرجوا بأجمعهم من البحر فعجبوا وأخبرهم موسى أن فرعون وقومه قد هلكوا فيه فطلبوا مصداق ذلك فلفظ البحر الناس وألقى الله تعالى فرعون على فجوة من الأرض بدرعه المعروفة له.
قال القاضي أبو محمد فهذا اختصار قصص هذه الآية بحسب ألفاظها وقد مضى أمر غرق فرعون بأوعب من هذا في موضع اقتضاه وقوله تعالى * (يبسا) * مصدر وصف به وقرأ بعض الناس يابسا وأشار إلى ذكره الزجاج وقرأ حمزة وحده لا تخف دركا وذلك إما على جواب الأمر وإما على نهي مستأنف وقرأ الجمهور لا تخاف وذلك على أن يكون لا تخاف حالا من * (موسى) * عليه السلام ويحتمل أن يكون صفة الطريق بتقدير لا يخاف فيه أي يكون بهذه الصفة ومعنى هذا القول لا تخاف دركا من فرعون وجنوده * (ولا تخشى) * غرقا من البحر وقرأ أبو عمرو فيما روي عنه فاتبعهم بتشديد التاء وتبع واتبع إنما يتعدى إلى مفعول واحد كقوله شويت واشتويت وحفرت واحتفرت وفديت وافتديت فقوله * (بجنوده) * إما أن تكون الباء مع ما جرته في موضع الحال كما تقول خرج زيد بسلاحه وإما أن تكون لتعدي الفعل إلى مفعول ثان إذ لا يتعدى دون حرف جر إلا إلى واحد وقرأ الجمهور فأتبعهم بسكون التاء وهذا يتعدى إلى مفعولين فالباء على هذا إما زائدة والتقدير فأتبعهم فرعون جنده وإما أن تكون بالحال ويكون المفعول الثاني مقدرا كأنك قلت رؤساءه أو عزمه ويجوز هذا والأول أظهر وقرأت فرقة فغشيهم وقرأت فرقة فغشاهم الله وقوله * (ما غشيهم) * إبهام أهول من النص على قدر ما وهذا كقوله " إذا يغشى السدرة ما يغشى " * (وأضل فرعون قومه) * يعني من أول أمره إلى هذه النهاية ثم أكد تعالى بقوله * (وما هدى) * مقابلة لقول فرعون * (وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) *.
قوله عز وجل سورة طه الآية 8082 ظاهر هذه الآية أن هذا القول قيل لبني إسرائيل حينئذ عند حلول هذه النعم التي عدد الله تعالى عليهم وبين خروجهم من البحر وبين هذه المقالة مدة وحوادث ولكن يخص الله تعالى بالذكر ما يشاء من
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»