المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٥٠٨
وروي أن الله تعالى وهب له أهله وماله في الدنيا ورد من مات منهم وما هلك من ماشيته وحاله ثم بارك في جميع ذلك وولد له الأولاد حتى تضاعف الحال وروي أن هذا كله وعد في الآخرة أي يفعل الله له ذلك في الآخرة والأول أكثر في قول المفسرين و * (رحمة) * نصب على المصدر وقوله * (وذكرى) * معناه موعظة وتذكرة يعتبر بها أهل العقول ويتأسون بصبره في الشدائد ولا ييأسون من رحمة الله على حال وروي أن أيوب عليه السلام كانت زوجته مدة مرضه تختلف إليه فيلقاها الشيطان في صورة طبيب ومرة في هيئة ناصح وعلى غير ذلك فيقول لها لو سجد هذا المريض للصنم الفلاني لبرىء لو ذبح عناقا للصنم الفلاني لبرىء ويعرض عليها وجوها من الكفر فكانت هي ربما عرضت ذلك على أيوب فيقول لها ألقيت عدو الله في طريقك فلما أغضبته بهذا ونحوه حلف لها لئن برئ من مرضه ليضربنها مائة سوط فلما برئ أمره الله أن يأخذ ضغثا فيه مائة قضيب والضغث القبضة الكبيرة من القضبان ونحوها من الشجر الرطب قاله الضحاك وأهل اللغة فيضرب به ضربة واحدة فتبر يمينه ومنه قولهم ضغث على إبالة والإبالة الحزم من الحطب والضغث القبضة عليها من الحطب أيضا ومنه قول الشاعر عوف بن الخرع (وأسفل مني نهدة قد ربطتها * وألقيت ضغثا من خلى متطبب) الطويل ويروى متطيب هذا حكم قد ورد في شرعنا عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله في حد زنا لرجل زمن فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعذق نخلة فيها شماريخ مائة أو نحوها فضرب به ضربة ذكر الحديث أبو داود وقال بهذا بعض فقهاء الأمة وليس يرى ذلك مالك بن أنس وجميع أصحابه وكذلك جمهور العلماء على ترك القول به وأن الحدود والبر في الأيمان لا يقع إلا بإتمام عدد الضربات قوله عز وجل في سورة ص من 45 - 54 قرأ ابن كثير واذكر عبدنا على الإفراد وهي قراءة ابن عباس وأهل مكة وقرأ الباقون واذكر عبادنا على الجمع فأما على هذه القراءة فدخل الثلاثة في الذكر وفي العبودية وأما على قراءة من قرأ عبدنا فقال مكي وغيره دخلوا في الذكر ولم يدخلوا في العبودية إلا من غير هذه الآية وفي هذا نظر وتأول قوم من المتأولين من هذه الآية أن الذبيح * (إسحاق) * من حيث ذكره الله بعقب ذكر أيوب أنبياء
(٥٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 503 504 505 506 507 508 509 510 511 512 513 ... » »»