المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٧٢
فهو خمر وذهب بعض الناس إلى أن الكأس آنية مخصوصة في الأواني وهو كل ما اتسع فمه ولم يكن له مقبض ولا يراعى في ذلك كونه بخمر أو لا وقوله تعالى * (من معين) * يريد من جار مطرد فالميم في * (معين) * أصلية لأنه من الماء المعين ويحتمل أن يكون من العين فتكون الميم زائدة أي مما يعين بالعين مستور ولا في خزن وخمر الدنيا إنما هي معصورة مختزنة وخمر الآخرة جارية أنهارا وقوله * (بيضاء) * يحتمل أن يعود على الكأس ويحتمل أن يعود على الخمر وهو الأظهر وقال الحسن بن أبي الحسن خمر الجنة أشد بياضا من اللبن وفي قراءة عبد الله بن مسعود صفراء فهذا موصوف به الخمر وحدها وقوله تعالى * (لذه) * أي ذات لذة فوصفها بالمصدر اتساعا وقد استعمل هذا حتى قيل لذ بمعنى لذيذ ومنه قول الشاعر (بحديثك اللذ الذي لو كلمت * أسد الفلاة به أتين سراعا) الكامل وقوله " ولا فيها غول " لم تعمل * (لا) * لأن الظرف حال بينها وبين ما شأن التبرية أن تعمل فيه والغول اسم عام في الأذى يقال غاله كذا إذا أضره في خفاء ومنه الغيلة في القتل وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الرضاع لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ومن اللفظة قول الشاعر (مضى أولونا ناعمين بعيشهم * جميعا وغالتني بمكة غول) الطويل أي عاقتني عوائق فهذا معنى من معاني الغول ومنه قول العرب في مثل من الأمثال ماله غيل ما أغاله يضرب للرجل الحديد الذي لا يقوم لأمر إلا أغنى فيه أو الرجل يدعى له بأن يؤذي ما آذاه وقال ابن عباس ومجاهد وابن زيد في الآية الغول وجع في البطن وقال ابن عباس أيضا وقتادة هو صداع في الرأس قال القاضي أبو محمد والاسم أعم من هذا كله فنفى عن خمر الجنة جميع أنواع الأذى إذ هي موجودة في خمر الدنيا نحا إلى هذا العموم سعيد بن جبير ومنه قول الشاعر (وما زالت الخمر تغتالنا * وتذهب بالأول الأول) المتقارب أي تؤذينا بذهاب العقل وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ينزفون بفتح الزاي وكذلك في سورة الواقعة من قوله نزف الرجل إذا سكر ونزفته الخمر والنزيف السكران ومنه قول الشاعر جميل بن معمر (فلثمت فاها آخذا بقرونها * شرب النزيف لبرد ماء الحشرج) الكامل وبذهاب العقل فسر ابن عباس وقتادة * (ينزفون) * وقرأ حمزة والكسائي ينزفون بكسر الزاي وكذلك في الواقعة من أنزف ينزف ويقال أنزف بمعنيين أحدهما سكر ومنه قول الأبيرد الرياحي (لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم * لبيس الندامى أنتم آل أبجرا) الطويل والثاني نزف شرابه يقال أنزف الرجل إذا تم شرابه فهذا كله منفي عن أهل الجنة وقرأ عاصم هنا بفتح الزاي وفي الواقعة بكسر الزاي وقرأ ابن أبي إسحاق ينزفون بفتح الياء وكسر الزاي و " قاصرات
(٤٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 467 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 ... » »»