المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٨
انظر إن هذه الأشياء التي ذكرها موسى عليه السلام هي مما تقضي بداية العقول أن فرعون وكل بشر بعيد منها لأنه لو قال هو القادر الرازق المريد العالم ونحو هذا من العبارات لأمكن فرعون أن يغالط فيقول أنا أفعل هذا كله فإنما أتاه موسى عليه السلام بصفات لا يمكنه أن يقول إن ذلك له وقرا ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر مهادا بكسر الميم وبألف والمهاد قيل هو جمع مهد وقيل اسم مفرد كفرش وفراش وقرأ عاصم وحمزة والكسائي جعل لكم الأرض مهدا بفتح الميم وسكون الهاء وقوله * (سلك) * بمعنى نهج ولحب والسبل الطرق وقوله * (فأخرجنا به) * يحتمل أن يكون كلام موسى تم عند قوله * (وأنزل من السماء ماء) * ثم وصل الله تعالى كلام موسى بإخباره لمحمد صلى الله عليه وسلم والمراد الخلق أجمع فهذه الآيات المنبهة عليها و الأزواج هنا بمعنى الأنواع وقوله * (شتى) * نعت للأزواج أي مختلفات وقوله * (كلوا وارعوا) * بمعنى هي صالحة لأن يؤكل منها وترعى الغنم فيها فأخرج العبارة في صيغة الأمر لأنه أرجى الأفعال وأهداها للنفوس و * (النهى) * جمع نهية والنهية العقل الناهي عن القبائح وقوله تعالى * (منها خلقناكم) * يريد من الأرض وهذا من حيث خلق آدم من تراب وقوله * (وفيها نعيدكم) * يريد بالموت والدفن أو الفناء كيف كان وقوله * (ومنها نخرجكم) * يريد بالبعث ليوم القيامة وقوله تعالى (ولقد أريناه) إخبار لمحمد صلى الله عليه وسلم عن فرعون وهذا يؤيد أن الكلام من قوله * (فأخرجنا) * إنما هو خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم وقوله * (كلها) * عائد على الآيات التي رآها لا أنه رأى كل آية لله وإنما المعنى أن الله تعالى أراه آيات ما بكما لها فأضاف الآيات إلى ضمير العظمة تشريفا لها وقوله تعالى * (وأبي) * يقتضي تكسب فرعون وهذا هو الذي يتعلق به الثواب والعقاب.
قوله عز وجل سورة طه الآية 5759 هذه المقاولة من فرعون تدل على أن أمر موسى قد كان قوي وكثر متبعوه من بني إسرائيل ووقع أمره في نفوس الناس وذلك أنها مقاولة من يحتاج إلى الحجة لا من يصدع بأمر نفسه وأرضهم هي أرض مصر وقرأت فرقة لا نخلفه بالرفع وقرأت فرقة لا نخلفه بالجزم على جواب الأمر و * (نحن) * تأكيد للضمير من حيث احتاج الكلام إلى العطف عليه أكد و * (موعدا) * مفعول أول ل * (فاجعل) * و * (مكانا) * مفعول ثان هذا الذي اختار أبو علي ومنع أن يكون * (مكانا) * معمولا لقوله * (موعدا) * لأنه قد وصف وهذه الأسماء العاملة عمل الفعل إذا نعتت أو عطف عليها أو أخبر عنها أو صغرت أو جمعت وتوغلت في الأسمية بمثل هذا لم تعمل ولا تعلق بها شيء هو منها وقد يتوسع في الظروف فتعلق بعد ما
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»