المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٦٦
بعد يعم كل مكلف من الناس جميعا وافتتح ذلك بالقول بحمده وتحميده وبالسلام على عباده الذين اصطفاهم للنبوءة والإيمان فهذا اللفظ عام لجميعهم من بني آدم وكان هذا صدر خطبة للتقرير المذكور وقال ابن عباس العباد المسلم عليهم هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واصطفاهم لنبيه.
قال القاضي أبو محمد وفي هذا الاختصاص توبيخ للمعاصرين من الكفار وقال الفراء الأمر بالقول في هذه الآية هو للوط عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد وهذه عجمة من الفراء رحمه الله ثم وقف قريشا والعرب على جهة التوبيخ على موضع التباين بين الله عز وجل وبين الأوثان والأنصاب وقرأ جمهور الناس تشركون بالتاء من فوق وحكى المهدوي عن أبي عمرو وعاصم يشركون بالياء من تحت وفي هذا التفضيل بلفظة * (خير) * أقوال أحدها أن التفضيل وقع بحسب معتقد المشركين إذ كانت تعتقد أن في آلهتها خيرا بوجه ما وقالت فرقة في الكلام حذف مضاف في موضعين التقدير أتوحيد الله خير أم عباده ما تشركون ف " ما " في هذه الآية بمعنى الذي وقالت فرقة ما مصدرية وحذف المضاف إنما هو أولا تقديره أتوحيد الله خير أم شرككم وقيل * (خير) * هنا ليست بأفعل إنما هي فعل كما تقول الصلاة خير دون قصد تفضيل.
قال القاضي أبو محمد وقد تقدم أن هذه الألفاظ التي تعم معاني كثيرة كخير وشر وأحب ونحو ذلك قد يقع التفضيل بها بين أشياء متباينة لأن المتباينات قدر بما اشترك فيها ولو بوجه ضعيف بعيد وأيضا فهذا تقرير والمجادل يقرر خصمه على قسمين أحدهما فاسد ليرى وقوعه وقد استوعبنا هذا فيما مضى وقالت فرقة تقدير هذه الآية الله ذو خير أما تشركون.
قال القاضي أبو محمد وهذا النوع من الحذف بعيد تأوله وقرأ الحسن وقتادة وعاصم يشركون بالياء من تحت وقرأ أهل المدينة ومكة والكوفة بالتاء من فوق وقوله تعالى. " أمن خلق " وما بعدها من التوقيفات توبيخ لهم وتقرير على ما لا مندوحة لهم عن الإقرار به وقرأ الجمهور أمن بشد الميم وهي أم دخلت على من وقرأ الأعمش أمن بفتح الميم مسهلة وتحتمل هذه القراءة أن تكون أمن استفهاما فتكون في معنى أم من المتقدمة ويحتمل أن تكون الألف للاستفهام ومن ابتداء وتقدير الخبر يكفر بنعمته ويشرك به ونحو هذا من المعنى والحدائق مجتمع الشجر من الأعناب والنخيل وغير ذلك قال قوم لا يقال حديقة إلا لما عليه جدار قد أحدق به وقال قوم يقال ذلك كان جدارا أو لم يكن لأن البياض محدق بالأشجار والبهجة الجمال والنضرة وقرأ ابن أبي عبلة ذوات بهجة بجمع ذات وفتح الهاء من بهجة ثم أخبر على جهة التوقيف أنه * (ما كان) * للبشر أي ما يتهيأ لهم ولا يقع تحت قدرهم أن ينبتوا شجرها لأن ذلك بإخراج شيء من العدم إلى الوجود وقد تقدم ترتيب القراءة في الهمزتين من قوله نك لأنت يوسف قال أبو حاتم القراءة باجتماع الهمزتين محدثة لا توجد في كلام العرب ولا قرأ بها قارىء عتيق و * (يعدلون) * يجوز أن يراد به يعدلون عن طريق الحق أن يجورون في فعلهم ويجوز أن يراد بالله يعدلون غيره أي يجعلون له عديلا ومثيلا و * (خلالها) * معناه بينها وأثناءها والرواسي الجبال رسا الشيء يرسو إذا ثبت وتأصل والبحران الماء العذب بجملته والماء الأجاج بجملته والحاجز ما جعل الله بينهما من حواجز الأرض وموانعها على رقتها في بعض المواضع ولطافتها
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»