المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٨٧
الآخرة على وجهه قال قتادة بلى وعزة ربنا وقوله * (كلما خبت) * أي كلما فرغت من إحراقهم فسكن اللهيب القائم عليهم قدر ما يعادون ثم تثور فتلك زيادة السعير قاله ابن عباس فالزيادة في حيزهم وأما جهنم فعلى حالها من الشدة لا يصيبها فتور وخبت النار معناه سكن اللهيب والجمر على حاله وخمدت معناه سكن الجمر وضعف وهمدت معناه طفيت جملة ومن هذه اللفظة قول الشاعر (أمن زينب ذي النار قبيل الصبح ما تخبو * إذا ما خبت يلقى عليها المندل الرطب) الهزج ومنه قول عدي بن زيد (وسطة كاليراع أو سرج المجدل * طورا تخبو وطورا تثير) الخفيف ومنه قول القطامي (فتخبو ساعة وتهب ساعا *) وقوله * (ذلك جزاؤهم) * الآية الإشارة إلى الوعيد المتقدم بجهنم وقوله * (بآياتنا) * يعم الدلائل والحجج التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم ويعم آيات القرآن وما تضمن من خبر وأمر ونهي ثم عظم عليهم أمر إنكار البعث وخصه بالذكر مع كونه في عموم الكفر بآيات القرآن ووجه تخصيصه التعظيم له والتنبيه على خطارة الكفر في إنكاره وقد تقدم اختلاف القراء في الاستفهامين في غير هذا الموضع والرفات بقية الشيء التي قد أصارها البلى إلى حال التراب والبعث تحريك الشيء الساكن وهذا الاستفهام منهم هو على جهة الإنكار والاستبعاد للحال بزعمهم.
قوله عز وجل سورة الإسراء 99 - 101 هذه الآية احتجاج عليهم فيما استبعدوه من البعث وذلك أنهم قرروا على خلق الله تعالى واختراعه لهذه الجملة التي البشر جزء منها فهم لا ينكرون ذلك فكيف يصح لهم أن يقروا بخلقه للكل وإخراجه من خمول العدم وينكرون إعادته للبعض فحصل الأمر في حيز الجواز وأخبر الصادق الذي قامت دلائل معجزاته بوقوع ذلك الجائز والرؤية في هذه الآية رؤية القلب والأجل هنا يحتمل أن يريد به القيامة ويحتمل أن يريد أجل الموت والأجل على هذا التأويل اسم جنس لأنه وضعه موضع الآجال ومقصد هذا الكلام بيان قدرة الله عز وجل وملكه لخلقه وبتقرير ذلك يقوى جواز بعثه لهم حين يشاء لا إله إلا هو وقوله * (فأبى) * عبارة عن تكسبهم وجنوحهم وقد مضى تفسير هذه الآيات آنفا وقوله تعالى * (قل لو أنتم تملكون) *
(٤٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 492 ... » »»