المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٧
المنافقين إذ لم يعطوا بحسب شطط آمالهم و * (يلمزك) * معناه يعيبك ويأخذ منك في الغيبة ومنه قول الشاعر (إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة * وأن أغيب فأنت الهامز اللمزة) البسيط ومنه قول رؤبة (في ظل عصري باطلي ولمزي *) الرجز والهمز أيضا في نحو ذلك ومنه قوله تعالى * (ويل لكل همزة لمزة) * وقيل لبعض العرب أتهمز الفأرة فقال إنها تهمزها الهرة قال أبو علي فجعل الأكل همزا وهذه استعارة كما استعار حسان بن ثابت الغرث في قوله (وتصبح غرثى من لحوم الغوافل *) الطويل تركيبا على استعارة الأكل في الغيبة قال القاضي أبو محمد ولم يجعل الأعرابي الهمز الأكل وإنما أراد ضربها إياها بالناب والظفر وقرأ جمهور الناس يلمزك بكسر الميم وقرأ ابن كثير فيما روى عنه حماد بن سلمة يلمزك بضم الميم وهي قراءة أهل مكة وقراءة الحسن وأبي رجاء وغيرهم وقرا الأعمش يلمزك وروى أيضا حماد بن سلمة عن ابن كثير يلامزك وهي مفاعلة من واحد لأنه فعل لم يقع من النبي صلى الله عليه وسلم وقوله * (ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله) * الآية وصف للحال التي ينبغي أن يكون عليها المستقيمون يقول تعالى ولو أن هؤلاء المنافقين رضوا قسمة الله الرزق لهم وما أعطاهم على يدي رسوله ورجوا أنفسهم فضل الله ورسوله وأقروا بالرغبة إلى الله لكنا خيرا لهم وأفضل مما هم فيه وحذف الجواب من الآية لدلالة ظاهر الكلام عليه وذلك من فصيح الكلام وإيجازه قوله عز وجل التوبة 60 * (إنما) * في هذه الآية حاصرة تقتضي وقوف * (الصدقات) * على الثمانية الأصناف وإنما اختلف في صورة القسمة فقال مالك وغيره ذلك على قدر اجتهاد الإمام وبحسب أهل الحاجة وقال الشافعي هي ثمانية أقسام على ثمانية أصناف لا يخل بواحد منها إلا أن " المؤلفة " انقطعوا قال القاضي أبو محمد ويقول صاحب هذا القول إنه لا يجزئ المتصدق والقاسم من كل صنف أقل من ثلاثة وأما الفقير والمسكين فقال الأصمعي وغيره الفقير أبلغ فاقة وقال غيرهم المسكين أبلغ فاقة
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»