المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤١١
هذا مثل لله عز وجل والأصنام فهي كالأبكم الذي لا نطق له ولا يقدر على شيء وهو عيال على من والاه من قريب أو صديق والكل الثقل والمؤنة وكل محمول فهو كل وسمي اليتيم كلا ومنه قول الشاعر (أكول لمال الكل قبل شبابه * إذا كان عظم الكل غير شديد) الطويل كما الأصنام تحتاج إلى أن تنقل وتخدم ويتعذب بها ثم لا يأتي من جهتها خير البتة هذا قول قتادة وقال ابن عباس هو مثل للكافر وقرأ ابن مسعود يوجه وقرأ علقمة يوجه وقرأ الجمهور يوجهه وهي خط المصحف وقرأ يحيى بن وثاب يوجه وقرأ ابن مسعود أيضا توجهه على الخطاب وضعف أبو حاتم قراءة علقمة لأنه لازم والذي * (يأمر بالعدل) * هو الله تعالى وقال ابن عباس هو المؤمن.
والصراط الطريق وقوله " ولله غيب السماوات والأرض " الآية أخبر الله تعالى أن الغيب له يملكه ويعلمه وقوله * (وما أمر الساعة) * آية إخبار بالقدرة وحجة على الكفار والمعنى على ما قال قتادة وغيره ما تكون الساعة وأقامتها في قدرة الله إلا أن يقول لها كن فلو اتفق أن يقف على ذلك محصل من البشر لكانت من السرعة بحيث يشك هل هي كلمح البصر أو هي أقرب من ذلك ف * (أو) * على هذا على بابها في الشك وقيل هي للتخيير ولمح البصر هو وقوعه على المرئي وقوى هذا الإخبار بقوله " إن الله على كل شيء قدير " ومن قال * (وما أمر الساعة) * له وما إتيانها ووقوعها بكم على جهة التخويف من حصولها ففيه بعد وتجوز كثير وبعد من قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين ومن ذكره ما ذكر من أشراط الساعة ومهلتها ووجه التأويل أن القيامة لما كانت آتية ولا بد جعلت من القرب * (كلمح البصر) * كما يقال ما السنة إلا لحظة إلا أن قوله * (أو هو أقرب) * يرد أيضا هذه المقالة وقوله * (والله أخرجكم) * الآية آية تعديد نعمة بينة لا ينكرها عاقل وهي نعمة معها كفرها وتصريفها في الإشراك بالذي وهبها فالله عز وجل أخبر بأنه اخرج ابن آدم لا يعلم شيئا ثم جعل حواسه التي قد وهبها له في البطن سلما إلى درك المعارف ليشكر على ذلك ويؤمن بالمنعم عليه وأمهات أصله أمات وزيدت الهاء مبالغة وتأكيدا كما زادوا الهاء في أهرقت الماء قاله أبو إسحاق وفي هذا المثل نظر وقول غير هذا وقرأ حمزة والكسائي إمهاتكم بكسر الهمزة وقرأ الأعمش في بطون أمهاتكم بحذف الهمزة ردي ولكن قراءة ابن أبي ليلى أصوب والترجي الذي في لعل هو بحسبنا وهذه الآية تعديد نعم وموضع اعتبار وقوله " ألم تروا إلى الطير " الآية وقرأ طلحة بن مصرف والأعمش وابن هرمز ألم تروا بالتاء وقرأ أهل مكة والمدينة ألم يروا بالياء على الكناية عنهم واختلف عن الحسن وعاصم وأبي عمرو وعيسى الثقفي والجو مسافة ما بين السماء والأرض وقيل هو ما يلي الأرض منها وما فوق ذلك هو اللوح والآية عبرة بينة تفسيرها تكلف بحت.
(٤١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 406 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 ... » »»