المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣٩٦
قوله عز وجل سورة النحل 45 - 48 هذه الآية تهديد لأهل مكة وهم المراد ب * (الذين) * في قول الأكثر وقال مجاهد المراد نمرود بن كنعان والأول أظهر ونصب " السيئات يحتمل وجهين أحدهما أن ينصب بقوله " أفأمن * (وتكون) * السيئات " على هذا العقوبات التي تسوء من تنزل به ويكون قوله " أن يخسف " بدلا منها.
والوجه الثاني أن ينصب ب " مكروا * (وعدي) * مكروا " لأنه بمعنى عملوا وفعلوا و " السيئات " على هذا معاصي الكفر وغيره قاله قتادة ثم توعدهم بما أصاب الأمم قبلهم من الخسف وهو أن تبتلع الأرض المخسوف به ويقعد به إلى أسفل وأسند النقاش أن قوما في هذه الأمة أقيمت الصلاة فتدافعوا الإمامة وتصلفوا في ذلك فما زالوا كذلك حتى خسف بهم و " تقلبهم " سفرهم ومحاولتهم المعايش بالسفر والرعاية ونحوها والمعجز المفلت هربا كأنه عجز طالبه وقوله " على تخوف " أي على جهة التخوف والتخوف النقص ومنه قول الشاعر (تخوف السير منها تامكا فردا * كما تخوف عود النبعة السفن " البسيط والسفن المبرد ويروى أن عمر بن الخطاب خفي عليه معنى التخوف في هذه الآية وأراد الكتب إلى الأمصار يسأل عن ذلك حتى سمع هذا البيت ويروى أنه جاءه فتى من العرب وهو قد أشكل عليه أمر لفظة التخوف فقال له يا أمير المؤمنين إن أبي يتخوفني مالي فقال عمر الله كبر * (أو يأخذهم على تخوف) * ومنه قول طرفة.
(وجامل خوف من نبيه * زجر المعلى أبدا والسفيح) ويروى من نبته ومن قول الآخر (ألأم على الهجاء وكل يوم * تلاقيني من الجيران غول) (تخوف غدرهم مالي وهدي * سلاسل في الحلوق لها صليل) الوافر يريد الأهاجي ومنه قول النابغة (تخوفهم حتى أذل سراتهم * بطعن ضرار بعد قبح الصفائح) الطويل قال القاضي أبو محمد وهذا التنقص يتجه الوعيد به على معنيين أحدهما أن يهلكهم ويخرج أرواحهم على تخوف أي أفذاذ ينقصهم بذلك الشيء بعد الشيء وهذا لا يدعي أحد أنه يأمنه وكأن
(٣٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 ... » »»