المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٢١٥
قال القاضي أبو محمد وهذا ضعيف وإنما ذهب قائله إلى نحو ما قيل إن الله تعالى يمهل الدول على الكفر ولا يمهلها على الظلم والجور ولو عكس لكان ذلك متجها أي ما كان الله ليعذب أمة بظلمهم في معاصيهم وهم مصلحون في الإيمان والاحتمال الأول في ترتيبنا أصح إن شاء الله.
قوله عز وجل سورة هود 118 - 119 المعنى لجعلهم أمة واحدة مؤمنة قاله قتادة حتى لا يقع منهم كفر ولا تنزل بهم مثلة ولكنه عز وجل لم يشأ ذلك فهم لا يزالون مختلفين في الأديان والآراء والملل هذا تأويل الجمهور قال الحسن وعطاء ومجاهد وغيرهم المرحومون المستثنون هم المؤمنون ليس عندهم اختلاف.
وقالت فرقة " لا يزالون مختلفين " في السعادة والشقاوة وهذا قريب المعنى من الأول إذ هي ثمرة الأديان والاختلاف فيها ويكون الاختلاف على هذا التأويل يدخل فيه المؤمنون إذ هم مخالفون للكفرة وقال الحسن أيضا لا يزالون مختلفين في الغنى والفقر.
قال القاضي أبو محمد وهذا قول بعيد معناه من معنى الآية ثم استثنى الله تعالى من الضمير في * (يزالون) * من رحمه من الناس بأن هداه إلى الإيمان ووفقه له.
وقوله " ولذلك خلقهم " اختلف فيه المتأولون فقالت فرقة ولشهود اليوم المشهود المتقدم ذكره خلقهم وقالت فرقة ذلك إشارة إلى قوله قبل " فمنهم شقي وسعيد " أي لهذا خلقهم.
قال القاضي أبو محمد وهذان المعنيان وإن صحا فهذا العود المتباعد ليس بجيد وروى أشهب عن مالك أنه قال ذلك إشارة إلى أن يكون فريق في الجنة وفريق في السعير.
قال القاضي أبو محمد فجاءت الإشارة بذلك إلى الأمرين الاختلاف والرحمة وقد قاله ابن عباس واختاره الطبري ويجيء عليه الضمير في " خلقهم " للصنفين وقال مجاهد وقتادة ذلك عائد على الرحمة التي تضمنها قوله * (إلا من رحم) * أي وللرحمة خلق المرحومين قال الحسن وذلك إشارة إلى الاختلاف الذي في قوله " ولا يزالون مختلفين ".
قال القاضي أبو محمد ويعترض هذا بأن يقال كيف خلقهم للاختلاف وهل معنى الاختلاف هو المقصود بخلقهم فالوجه في الانفصال أن نقول إن قاعدة الشرع أن الله عز وجل خلق خلقا للسعادة وخلقا للشقاوة ثم يسر كلا لما خلق له وهذا نص في الحديث الصحيح وجعل بعد ذلك الاختلاف في
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»