المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٣٩
صلى الله عليه وسلم أنه قال خير بيوتكم ما استقبل به القبلة وقوله * (وأقيموا الصلاة) * خطاب لبني إسرائيل هذا قبل نزول التوراة لأنها لم تنزل إلا بعد إجازة البحر وقوله * (وبشر المؤمنين) * أمر لموسى عليه السلام وقال مكي والطبري هو أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم وهذا غير متمكن وقوله تعالى * (وقال موسى) * الآية غضب من موسى على القبط ودعاء عليهم فقدم للدعاء تقرير نعم الله عليهم وكفرهم بها و * (أتيت) * معناه أعطيت وملكت وتكرر قوله * (ربنا) * استغاثة كما يقول الداعي بالله وقوله * (ليضلوا) * يحتمل أن يكون لام كي على بابها على معنى آتيتهم الأموال إملاء لهم واستدراجا فكان الإيتاء كي يضلوا ويحتمل أن تكون لام الصيرورة والعاقبة كما قال * (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) * والمعنى آتيتهم ذلك فصار أمرهم إلى كذا وروي عن الحسن أنه قال هو دعاء ويحتمل أن يكون المعنى على جهة الاستفهام أي ربنا ليضلوا فعلت ذلك وفي هذا تقرير الشنعة عليهم.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والحسن والأعرج وشيبة وأبو جعفر ومجاهد وأبو رجاء وأهل مكة ليضلوا بفتح الياء على معنى ليضلوا في أنفسهم وقرأ عاصم وحمزة والكسائي والأعمش وقتادة وعيسى والحسن والأعرج بخلاف عنه ليضلا بضم الياء على معنى ليضلوا غيرهم وقرأ الشعبي ليضلوا بكسر الياء وقرأ الشعبي أيضا وغيره اطمس بضم الميم وقرأت فرقة اطمس بكسر الميم وهما لغتان وطمس يطمس ويطمس قال أبو حاتم وقراءة الناس بكسر الميم والضم لغة مشهورة معناه عف وغيره وهو من طموس الأثر والعين وطمس الوجوه ومنه قول كعب بن زهير (من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت * عرضتها طامس الأعلام مجهول) البسيط وروي أنهم حين دعا موسى بهذه الدعوة رجع سكرهم حجارة وزادهم ودنانيرهم وحبوبهم من الأطعمة رجعت حجارة قاله محمد بن كعب القرظي وقتادة وابن زيد وقال مجاهد وغيره معناه أهلكها ودمرها وروي أن الطمسة من آيات موسى التسع وقوله * (اشدد على قلوبهم) * بمعنى اطبع واختم عليهم بالكفر قاله مجاهد والضحاك ولما أشار عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل أسرى بدر شبهه بموسى في دعائه على قومه الذين بعث إليهم في هذه الآية وبنوح في قوله * (لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) * وقوله * (فلا يؤمنوا) * مذهب الأخفش وغيره أن الفعل منصوب عطفا على قوله * (ليضلوا) * وقيل هو منصوب في جواب الأمر وقال الفراء والكسائي هو مجزوم على الدعاء ومنه قول الشاعر الأعشى (فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى * ولا تلقني إلا وأنفك راغم) الطويل وجعل رؤية العذاب نهاية وغاية وذلك لعلمه من قبل الله أن المؤمن عند رؤية العذاب لا ينفعه إيمانه في ذلك الوقت ولا يخرجه من كفره ثم أجاب الله هذه الدعوة في فرعون نفسه قال ابن عباس * (العذاب) * هنا الغرق وقرأ الناس * (دعوتكما) * وقرأ السدي والضحاك دعواتكما وروي عن ابن جريج ومحمد بن علي والضحاك أن الدعوة لم تظهر إجابتها إلا بعد أربعين سنة وحينئذ كان الغرق.
قال القاضي أبو محمد وأعلما أن دعاءهما صادق مقدورا وهذا معنى إجابة الدعاء وقيل لهما
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»