المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٦٣
وقالوا إن لبيدا أراد التحية وقد يجري اسم في اللغة مجرى ذات العبارة وهو الأكثر من استعمالها فمنه قوله تعالى * (وعلم آدم الأسماء كلها) * على أشهر التأويلات فيه ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة) وعلى هذا النحو استعمل النحويون الاسم في تصريف أقوالهم فالذي يتنخل من هذا أن الأسماء قد تجيء يراد بها ذوات المسميات وفي هذا يقال الاسم هو المسمى وقد تجيء يراد بها ذواتها نفسها لا مسمياتها ومر بي أن مالكا رحمه الله سئل عن الاسم أهو المسمى فقال ليس به ولا هو غيره يريد دائما في كل موضع وهذا موافق لما قلناه والمكتوبة التي لفظها الله أبهر أسماء الله تعالى وأكثرها استعمالا وهو المتقدم لسائرها في الأغلب وإنما تجيء الأخر أوصافا واختلف الناس في اشتقاقه فقالت فرقة من أهل العلم هو اسم مرتجل لا اشتقاق له من فعل وإنما هو اسم موضوع له تبارك وتعالى والألف واللام لازمة له لا لتعريف ولا لغيره بل هكذا وضع الاسم وذهب كثير من أهل العلم إلى أنه مشتق من أله الرجل إذا عبد وتأله إذا تنسك ومن ذلك قول رؤبة بن العجاج (لله در الغانيات المدة * سبحن واسترجعن من تألهي) الرجز ومن ذلك قول الله تعالى * (ويذرك وآلهتك) * على هذه القراءة فإن ابن عباس وغيره أنه قال وعبادتك قالوا فاسم الله مشتق من هذا الفعل لأنه الذي يألهه كل خلق ويعبده حكاه النقاش في صدر سورة آل عمران فإلاه فعال من هذا واختلف كيف تعلل إله حتى جاء الله فقيل حذفت الهمزة حذفا على غير قياس ودخلت الألف واللام للتعظيم على لاه وقيل بل دخلتا على اله ثم نقلت حركة الهمزة إلى اللام فجاء اللاه ثم أدغمت اللام في اللام وقيل إن أصل الكلمة لاه وعليه دخلت الألف واللام والأول أقوى وروي عن الخليل أن أصل إله ولاه وأن الهمزة مبدلة من واو كما هي في إشاح ووشاح وإسادة ووسادة وقيل إن أصل الكلمة ولاه كما أنه قال الخليل إلا أنها مأخوذة من وله الرجل إذا تحير لأنه تعالى تتحير الألباب في حقائق صفاته والفكر في المعرفة به وحذفت الألف الأخيرة من الله لئلا يشكل بخط اللات وقيل طرحت تخفيفا وقيل هي لغة فاستعملت في الخط ومنها قول الشاعر ابن الأعرابي (أقبل سيل جاء من أمر الله * يحرد حرد الجنة المغله) الرجز والرحمن صفة مبالغة من الرحمة ومعناها أنه انتهى إلى غاية الرحمة كما يدل على الانتهاء سكران وغضبان وهي صفة تختص بالله ولا تطلق على البشر وهي أبلغ من فعيل وفعيل أبلغ من فاعل لأن راحما يقال لمن رحم ولو مرة واحدة ورحيما يقال لمن كثر منه ذلك والرحمن النهاية في الرحمة وقال بعض الناس الرحمن الرحيم بمعنى واحد كالندمان والنديم وزعم أنهما من فعل واحد ولكن أحدهما أبلغ من الآخر وأما المفسرون فعبروا عن الرحمن الرحيم بعبارات فمنها أن العرزمي أنه قال معناه الرحمن بجميع خلقه في الأمطار ونعم الحواس والنعم العامة الرحيم بالمؤمنين في الهداية لهم واللطف بهم ومنها أن أبا سعيد الخدري وابن مسعود رويا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»