نعم، قال جبرائيل: عفا الله عنك، ما وضعت الملائكة السلاح منذ أربعين ليلة، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله يأمرك يا محمد بالسير إلى بني قريظة (وأنا عامد إلى بني قريظة) فانهض إليهم، فإني قد قطعت أوتارهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا، فأذن إن من كان سامعا مطيعا لا يصلين العصر إلا في بني قريظة.
وقدم رسول الله صلى الله عليه علي بن أبي طالب برايته إليهم وابتدرها الناس؛ فسار علي ابن أبي طالب حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة (على) رسول الله صلى الله عليه منهم، فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه بالطريق وقال: يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث.
قال: لم؟ أظنك سمعت لي منهم أذى. قال: نعم يا رسول الله، قال: لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا، فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال: يا إخوان القردة والخنازير هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ قالوا: يا أبا القاسم ما كنت جهولا.
ومر رسول الله صلى الله عليه على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة فقال: هل مر بكم أحد؟ فقالوا: يا رسول الله لقد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك جبرائيل بعث إلى بني قريظة، يزلزل بهم حصونهم، ويقذف الرعب في قلوبهم، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه بني قريظة نزل على بئر من آبارها في ناحية من أموالهم يقال لها يراقا، فتلاحق به الناس فأتاه رجال من بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة، فصلوا العصر بها بعد صلاة العشاء الآخرة، فما عابهم الله بذلك في كتابه، ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وحاصرهم رسول الله خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب، وقد كان حيي بن أخطب دخل على بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان، وقال كعب بن أسد بما كان عاهده، فلما أيقنوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم، قال كعب بن أسد لهم: يا معشر اليهود إنه قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالا ثلاث، فخذوا أيها شئتم، فقالوا: وما هن؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل، وأنه للذي كنتم تجدونه في كتابكم، فتأمنوا على دياركم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم، قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره.
قال: فإذا أبيتم هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا