تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٨ - الصفحة ١٨
إليهم منكم رجلا واحدا، ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني، قالوا: صدقت، قال: فاكتموا علي قالوا: نفعل، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم، فلما كانت ليلة السبت في شوال سنة خمس، وكان مما صنع الله برسوله، أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان، فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه.
فأرسلوا إليهم: إن اليوم السبت، وهو يوم لا يعمل فيه شيئا، وكان قد أحدث بعضنا فيه حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذي نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا، فإنا نخشى إن (ضرستكم) الحرب واشتد عليكم القتال تسيروا إلى بلادكم، وتتركونا والرجل في بلدنا ولا طاقة لنا بذلك من محمد.
فلما رجعت إليهم الرسل بالذي قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: تعلمون والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق، فأرسلوا إلى بني قريظة، إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال، فأخرجوا فقاتلوا.
فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق، ما يريد القوم إلا أن تقاتلوا، فإن وجدوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك إنشمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلادكم، فأرسلوا إلى قريش وإلى غطفان: إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا، فأبوا عليهم وخذل الله بينهم، وبعث الله تعالى عليهم الريح في ليال شاتية شديدة البرد، حتى انصرفوا راجعين والحمد لله رب العالمين.
قال الله تعالى: " * (وإذ زاغت) *) مالت " * (الأبصار) *) وشخصت " * (وبلغت القلوب الحناجر) *) فزالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق من الفزع " * (وتظنون بالله الظنونا) *) فأما المنافقون فظنوا أن محمدا وأصحابه سيغلبون ويستأصلون، وأما المؤمنون فأيقنوا أن ما وعدهم الله حق (من) أنه سيظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون.
واختلف القراء في قوله: الظنونا والرسولا والسبيلا، فأثبت الألفات فيها وصلا ووقفا، أهل المدينة والشام وأيوب وعاصم برواية أبي بكر، وأبو عمر برواية ابن عباس. والكسائي برواية قتيبة، قالوا: إن ألفاتها ثابتة في مصحف عثمان وسائر مصاحف البلدان. وقرأها أبو عمرو في سائر الروايات وحمزة ويعقوب بغير (ألف) في الحالين على الأصل.
وقرأ الباقون بالألف في الوقف دون الوصل، واحتجوا بأن العرب تفعل ذلك في قوافي
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»