تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٨ - الصفحة ١٢٦
" * (أئن ذكرتم) *) وعظتم، وقرأ أبو جعفر بالتخفيف، يعني من حيث ذكرتم، وجوابه محذوف مجازه: أئن ذكرتم قلتم هذا القول، " * (بل أنتم قوم مسرفون) *): مشركون مجاوزون الحد.
قوله: " * (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) *) وهو حبيب بن مري، وقال ابن عباس ومقاتل: حبيب بن إسرائيل النجار، وقال وهب: وكان رجلا سقيما قد أسرع فيه الجذام، وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة، وكان مؤمنا ذا صدقة يجمع كسبه إذا أمسى فيقسمه نصفين: فيطعم نصفا عياله ويتصدق بنصفه، فلما بلغه أن قومه قصدوا قتل الرسل جاءهم فقال: " * (يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون) *)، قال قتادة: لما انتهى حبيب إلى الرسل قال لهم: تسألون على هذا من أجر؟ قالوا: لا. فقال ذلك. قال: وكان حبيب في غار يعبد ربه، فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وما هو عليه من التوحيد وعبادة الله، فقيل له: وأنت مخالف لديننا وتابع دين هؤلاء الرسل ومؤمن بإلههم؟ فقال: " * (وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون أأتخذ من دونه آلهة إن يردني الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون إني) *) إن فعلت ذلك " * (إذا لفي ضلال مبين إني آمنت بربكم فاسمعون) *) فلما قال لهم ذلك وثبوا إليه وثبة رجل واحد فقتلوه ولم يكن أحد يدفع عنه.
قال عبد الله بن مسعود: وطئوه بأرجلهم حتى خرج قضيبه من دبره، وقال السدي: كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهد قومي حتى قطعوه وقتلوه، وقال الحسن: خرقوا خرقا في حلقة فعلقوه من سوق المدينة، وقبره في سور أنطاكية فأوجب الله له الجنة، فذلك قوله: " * (قيل ادخل الجنة) *).
فلما أفضى إلى جنة الله وكرامته، " * (قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) *). أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن علي بن حمشاد المزكى بقراءتي عليه في شعبان سنة أربعمئة فأقر به قال: أخبرنا أبو ظهير عبد الله بن فارس بن محمد بن علي ابن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب في شهر ربيع الأول سنة ست وأربعن وثلاثمئة قال: حدثنا إبراهيم بن الفضل بن مالك قال: حدثنا عن أخيه عيسى عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: علي بن أبي طالب، وصاحب آل يس، ومؤمن آل فرعون، فهم الصديقون وعلي أفضلهم).
قالوا: فلما قتل حبيب غضب الله له وعجل لهم النقمة، فأمر جبرئيل (عليه السلام) فصاح
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»