نفسه قتل أخيه، * (فقتله فأصبح من الخاسرين) * [آية: 30].
قال: وكان هابيل قال لأخيه قابيل: * (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني) * إلى قوله:
* (بإثمي وإثمك) *، يعني أن ترجع بإثمي بقتلك إياي، وإثمك الذي عملته قبل قتلي، * (فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين) *، يعني جزاء من قتل نفسا بغير جرم، فلما قتله عشية من آخر النهار، لم يدر ما يصنع، وندم ولم يكن يومئذ على الأرض بناء ولا قبر، فحمله على عاتقه، فإذا أعيى وضعه بين يديه، ثم ينظر إليه ويبكي ساعة، ثم يحمله، ففعل ذلك ثلاثة أيام.
فلما كان في الليلة الثالثة، بعث الله غرابين يقتتلان، فقتل أحدهما صاحبه وهو ينظر، ثم حفر بمنقاره في الأرض، فلما فرغ منه، أخذ بمنقاره رجل الغراب الميت، حتى قذفه في الحفيرة، ثم سوى الحفيرة بالأرض، وقابيل ينظر، فذلك قوله تعالى: * (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال) * قابيل: * (يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب) *، يقول: أعجزت أن أعلم من العلم مثل ما علم هذا الغراب، * (فأواري سوءة أخي) *، يقول: فأغطى عورة أخي كما وارى الغراب صاحبه، * (فأصبح من النادمين) * [آية: 31] بقتله أخاه.
فعمد عند ذلك قابيل، فحفر في الأرض بيده، ثم قذف أخاه في الحفيرة، فسوى عليه تراب الحفيرة كما فعل الغراب بصاحبه، فلما دفنه ألقى الله عز وجل عليه الخوف، يعني على قابيل؛ لأنه أول من أخاف، فانطلق هاربا، فنودي من السماء: يا قابيل، أين أخوك هابيل؟ قال: أو رقيبا كنت عليه؟ ليذهب حيث شاء، قال المنادي: أما تدري أين هو؟ قال: لا، قال المنادي: إن لسانك وقلبك ويديك ورجليك وجميع جسدك يشهدون عليك أنك قتلته ظلما، فلما أنكر شهدت عليه جوارحه، فقال المنادي: أين تنجو من ربك؟ إن إلهي يقول: إنك ملعون بكل أرض، وخائف ممن يستقبلك، ولا خير فيك، ولا في ذريتك.
فانطلق جائعا، حتى أتى ساحل البحر، فجعل يأخذ الطير، فيضرب بها الجبل، فيقتلها ويأكلها، فمن أجل ذلك حرم الله الموقوذة، وكانت الدواب، والطير، والسباع، لا يخاف بعضها من بعض، حتى قتل قابيل هابيل، فلحقت الطير بالسماء، والوحش بالبرية والجبال، ولحقت السباع بالغياض، وكانت قبل ذلك تستأنس إلى آدم، عليه