الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٤٧٥
إن الإسلام يحاسب على أقل أذى ممكن أن يلحقه الإنسان بالآخرين، فكيف بقضية القتل وإراقة الدماء؟! وهنا نستطيع أن نقول - باطمئنان -: إننا لا نرى أي شريعة غير الإسلام أعطت هذه الحرمة الاستثنائية لدم الإنسان، بالطبع هناك حالات ينتفي معها احترام دم الإنسان، كما لو قام بالقتل أو ما يوجب إنزال العقوبة به، لذلك فإن الآية بعد أن تثبت حرمة الدم كأصل، تشير للاستثناء بالقول:
إلا بالحق.
وفي حديث معروف عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نقرأ: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه المفارق للجماعة " (1).
أما القاتل فتكون نهايته معلومة بالقصاص، الذي يؤمن استمرار الحياة واستقرارها، وإذا لم يعط الحق لأولياء دم المقتول بالقصاص من القاتل، فإن القتلة سيتجرأون على المزيد من القتل والإخلال بالأمن الاجتماعي.
أما الزاني المحصن، فإن قتله في قبال واحد من أعظم الذنوب قباحة، وهو يساوى سفك الدم الحرام في المرتبة.
أما قتل المرتد فيمنع الفوضى والإخلال في المجتمع الإسلامي، وهذا الحكم - كما أشرنا سابقا - هو حكم سياسي، لأجل حفظ النظام الاجتماعي في قبال الأخطار التي تهدد كيان النظام الإسلامي ووحدة أمنه الاجتماعي، والإسلام - عادة - لا يفرض على أحد قبول الانتماء إليه، ولكن إذا اقتنع أحد بالإسلام واعتنقه، وأصبح جزاءا من المجتمع الإسلامي، واطلع على أسرار المسلمين، ثم أراد بعد ذلك الإرتداد عن الإسلام مما يؤدي عملا إلى تضعيف وضرب قواعد المجتمع الإسلامي، فإن حكمه سيكون القتل (2) بالشرائط المذكورة في الكتب

١ - صحيح البخاري ومسلم نقلا عن تفسير في ظلال القرآن، ج 5، ص 323.
2 - هناك بحث مفصل في نهاية الآية (106) من سورة النحل، من التفسير الأمثل حول الإرتداد، وفلسفة العقوبات الشديدة للمرتد.
(٤٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 480 ... » »»