الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٤ - الصفحة ٢٩٢
القول في سورة الكافرين (بسم الله الرحمن الرحيم) (قال يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) قال (معناه: في المستقبل، لأن لا تنفي المستقبل، ولا أنتم عابدون ما أعبد كذلك، ولا أنا عابد ما عبدتم: أي فيما سلف إلخ) قال أحمد: هذا الذي قاله خطأ على الأصل والفرع جميعا، أما على أصله القدري فإنه وإن كان مقتضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قبل البعث على دين نبي قبله لاعتقاد القدرية أن ذلك غميزة في منصبه ومنفر من اتباعه فيستحيل وقوعه للمفسدة، إلا أنهم يعتقدون أن الناس كلهم متعبدون بمقتضى العقل بوجوب النظر في آيات الله تعالى وأدلة توحيده ومعرفته، وأن وجوب النظر بالعقل لا بالسمع، فتلك عبادة قبل البعث يلزمهم أن لا يظنوا به صلى الله عليه وسلم الإخلال بها، فحينئذ يقتضي أصلهم أنه كان قبل البعث يعبد الله تعالى، فالزمخشري حافظ على الوفاء بأصله في عدم اتباعه لنبي سابق فأخل بالتفريع على أصله الآخر في وجوب العبادة بالعقل، والحق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعبد قبل الوحي ويتحنث في غار حراء، فإن كان مجئ قوله أعبد لأن الماضي لم يحصل فيه العبادة المرادة في الآية فيحمل الأمر فيها والله أعلم على مجموع العبادات الخاصة التي لم تعلم إلا بالوحي، لا على مجرد توحيد الله تعالى ومعرفته، فإن ذلك لم يزل ثابتا
(٢٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 298 ... » »»