وتقديره أو لم يهد لهم إهلاكنا من أهلكناهم من القرون الماضية جزاء على كفرهم بالله وارتكابهم لمعاصيه، ولا يجوز أن يكون فاعل " يهد " كم " في قوله " كم أهلكنا لان " كم " لا يعمل فيها ما قبلها إلا حروف الإضافة، لأنها على تقدير الاستفهام الذي له صدر الكلام، وأجاز الفراء أن يكون فاعل " يهد " " كم " ولم يجزه البصريون.
وقوله " يمشون في مساكنهم " اي أهلكناهم بغتة وهم متشاغلين بنفوسهم ويمشون في منازلهم. ثم قال " إن في ذلك لآيات " أي لحججا واضحات " أفلا يسمعون " ومعناه أفلا يتدبرون ما يسمعونه من هذه الآيات، لان من لا يتدبر ما يسمعه، ولا يفكر فيه. فكأنه لم يسمعه. ثم نبههم على وجه آخر فقال " أو لم يروا " ومعناه أو لم يعلموا " أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه انعامهم وأنفسهم " فالسوق الحث على السير، ساقه يسوقه سوقا، فهو سائق، يقول الله تعالى نسوق ماء المطر إلى هذه الأرض الجرز، فننبت به ضروبا من النبات الذي يتغذى به الانسان والانعام وغيرهم والأرض الجرز هي الأرض اليابسة التي ليس فيها نبات، انقطع ذلك لانقطاع الأمطار، وهو مشتق من قولهم: سيف جراز أي قطاع، لا يلقى على شئ إلا قطعه وناقة جراز، إذا كانت تأكل كل شئ لأنها لا تبقي شيئا إلا قطعته بفيها وأرض جروز، وهي التي لا تبقي على ظهرها شيئا إلا أهلكته، كالناقة الجراز ورجل جروز أكول، قال الراجز:
خب جروز إذا جاع بكا * ا يأكل التمر ولا يلقي النوى ا (1) وفيه أربع لغات أرض جرز - بضم الجيم والراء، وبضم الجيم واسكان