التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٥٣
وقال الجبائي: معناه إلى أمم بعد هؤلاء يكلفهم فيعصونه فتقتضي الحكمة إهلاكهم وإقامة القيامة. وقال الرماني: معناه إلى جماعة معدودة بأنه ليس فيها من يؤمن فإذا صاروا إلى هذه الصفة أهلكوا بالعذاب، كما أهلك قوم نوح في الدنيا.
وأهلكوا بعذاب الآخرة لكونهم على هذه الصفة.
وقوله " ليقولن ما يحبسه " فالحبس المنع بالحصر في خباء. ويقال حبس الماء إذا منع من النفوذ. وحبس السلطان الرزق إذا معنه. وحبس عنهم العذاب إذا منع من اتيانهم إلى الأجل المعلوم. والتقدير ما الذي يمنع من تعجيل هذا العذاب الذي نتوعد به؟ فقال الله تعالى " ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم " ومعناه ان هذا العذاب الذي يستبطئونه إذا نزل بهم في الوقت المعلوم لا يقدر على صرفه أحد عنهم ولا يتمكنون من اذهابه عنهم إذا أراد الله ان تأتيهم به. وقوله " وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " معناه انه نزل بهم الذي كانوا يسخرون منه من نزول العذاب ويتحققونه.
قوله تعالى:
ولئن أذقنا الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤس كفور (9) آية أقسم الله تعالى في هذه الآية انه لو أحل تعالى بالانسان رحمة من عنده يعني ما يفعله الله تعالى بهم في الدنيا من الأرزاق، فإنه يعم بها خلقه كافرهم ومؤمنهم.
ثم نزعها منه وسلبها، وسمى احلال اللذات بهم إذاقة تشبيها ومجازا، لان الذوق في الحقيقة تناول الشئ بالفم لا دراك الطعم، والانسان حيوان على الصورة الانسانية لان الصورة الانسانية بانفرادها قد تكون للتمثال ولا يكون انسانا فإذا اجتمعت الحيوانية والصورة لشئ فهو انسان. قال الرماني: وكلما لا حياة فيه فليس بانسان
(٤٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 ... » »»
الفهرست