فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٤٨٨
أعزه الله وسلطه على عدوه وحكم عكسه عكس حكمه فظهر أن المؤمن لا يزال ينضي شيطانه (كما ينضي أحدكم بعيره في السفر) لأنه إذا عرض لقلبه احترز عنه بمعرفة ربه وإذا اعترض لنفسه وهي شهواته احترز بذكر الله فهو أبدا ينضوه فالبعير يتجشم في سفره أثقال حمولته فيصير نضوا لذلك وشيطان المؤمن يتجشم أثقال غيظه منه لما يراه من الطاعة والوفاء لله فوقف منه بمزجر الكلب ناحية وأشار بتعبيره بينضي دون يهلك ونحوه إلى أنه لا يتخلص أحد من شيطان ما دام حسا فإنه لا يزال يجاهد القلب وينازعه والعبد لا يزال يجاهده مجاهدة لا آخر لها إلا الموت لكن المؤمن الكامل يقوي عليه ولا ينقاد له ومع ذلك لا يستغني قط عن الجهاد والمدافعة ما دام الدم يجري في بدنه فإنه ما دام حيا فأبواب الشياطين مفتوحة إلى قلبه لا تنغلق وهي الشهوة والغضب والحدة والطمع والثروة وغيرها ومهما كان الباب مفتوحا والعدو غير عاقل لم يدفع إلا بالحراسة والمجاهدة قال رجل للحسن يا أبا سعيد أينام إبليس فتبتسم وقال لو نام لوجدنا راحة فلا خلاص للمؤمن منه لكنه بسبيل من دفعه وتضعيف قوته وذلك على قدر قوة إيمانه ومقدار إيقانه قال قيس بن الحجاج قال لي شيطان دخلت فيك وأنا مثل الجزور وأنا الآن كالعصفور، قلت ولم ذا؟ قال أذبتني بكتاب الله. وأهل التقوى لا يتعذر عليهم سد أبواب الشياطين وحفظها بحراسة أعني الأبواب الظاهرة والطرق الخلية التي تفضي إلي المعاصي الظاهرة وإنما يتعثرون في طرقه الغامضة (حم والحكيم) الترمذي (وابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (مكائد الشيطان) كلهم (عن أبي هريرة) قال الهيثمي تبعا لشيخه الحافظ العراقي فيه ابن لهيعة وأقول فيه أيضا سعيد بن شرجبيل وأورده الذهبي في الضعفاء وعده من المجاهيل وفي الميزان قال أبو حاتم مجهول وموسى بن وردان ضعفه ابن معين ووثقه أبو داود.
2102 - (أن المؤمن إذا أصابه سقم) بضم فسكون وبفتحتين أي مرض (ثم أعفاه الله عنه) أي خلصه منه بالشفاء وفي رواية ثم أعفى بالبناء للمجهول (كان) مرضه (كفارة لما مضى من ذنوبه) فيه شمول للكبائر والصغائر (وموعظة له فيما يستقبل) لأنه لما مرض عقل أن مرضه مسبب عن اقترافه الذنوب فأقلع عنها فكان كفارة لها فوضع المسبب الذي هو الكفارة موضع السبب الذي هو التنبيه والندم تنبيها على تيقظه وبعد غور إدراكه ليقابل نسبته البلادة إلى المنافق (1) المذكور في قوله (وإن المنافق) الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر (إذا مرض ثم أعفي) من مرضه (كان كالبعير عقله أهله) أي أصحابه (ثم أرسلوه) أي أطلقوه من عقاله (فلم يدر لم عقلوه) أي لأي شئ فعلوا به ذلك (ولم يدر لم أرسلوه) أي فهو لا يتذكر الموت ولا يتعظ بمرضه ولا يتيقظ من غفلته بشغل قلبه بحب الدنيا واستغراقه في شهوته ورسوخه فيما هو عليه من غباوة البهيمة فلا ينجع فيه سبب الموت ولا يذكر

(1) أي النفاق الحقيقي ويحتمل أن المراد العملي.
(٤٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 483 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 ... » »»