الضروريات بحيث يستحضرها متى شاء بلا روية وتجشم كسب جديد وذلك إنما يحصل إذا لاحظ النظريات الحاصلة مرة بعد أخرى حتى يحصل له ملكة نفسانية يقوى بها على استحضارها متى أراد من غير حاجة إلى فكر المرتبة الرابعة العقل المستفاد وهو أن يحضر عنده النظريات التي أدركها بحيث لا تغيب عنه وهل يمكن ذلك أي حضورها بأسرها مشاهدة للقوة العاقلة الإنسانية والإنسان في جلباب من بدنه أم لا يمكن فيه تردد إذ يجوز عند العقل أن يتجرد بعض النفوس الكاملة عن العلائق البدينة تجردا تاما بحيث تشاهد معقولاتها دفعة واحدة كأنها لمعة برق ثم تترقى عن هذه الحالة إلى مشاهدة بعد مشاهدة وهكذا حتى تصير المشاهدة ملكة راسخة فيه وإن كان رسوخها مستبعدا أكثر من استبعاد كونها بروقا لامعة والظاهر أن استمرار المشاهدة إنما يكون في الدار الآخرة واعلم أن تفسير العقل المستفاد بما ذكره ليس بمشهور والمسطور في مشاهير الكتب أن هذه المراتب الأربع تعتبر بالقياس إلى كل نظري على حدة والعقل المستفاد بالنسبة إلى نظري واحد هو أن يصير مشاهدا للقوة العاقلة ولا شبهة في وقوعه في هذه الحياة الدنيا ولا في تقدمه على العقل بالفعل بالمعنى الثاني في الحدوث وإن كان متأخرا عنه في البقاء كما أشرنا إليه في صدر الكتاب ثم أن الكمال من هذه المراتب هو العقل المستفاد وباقي المراتب وسائل إلى ذلك الكمال واستعدادات له متفاوتة فالهيولاني استعداد بعيد وما بالملكة استعداد متوسط وكلاهما وسيلتان إلى تحصيل الكمال ابتداء والعقل بالفعل بالمعنى المشهور استعداد قريب جدا وهو وسيلة إلى استحضار الكمال واسترداده بعد غيبته وزواله فإن الإنسان لكونه مملوا بشواغل بدنه لا يتأتى له استبقاء ذلك الكمال بعد حصوله فلا بد له من استعداد يتوصل به
(٨٥)