التمهيد - ابن عبد البر - ج ٢٤ - الصفحة ١٧
كان الماء غالبا مستهلكا النجاسات فهو مطهر لها وهي غير مؤثرة فيه وسواء في ذلك قليل الماء وكثيره هذا ما يوجبه هذا الحديث وإليه ذهب جماعة من أهل المدينة منهم سعيد بن المسيب وابن شهاب وربيعة وهو مذهب المدنيين من أصحاب مالك ومن قال بقولهم من البغداديين وهو مذهب فقهاء البصرة وإليه ذهب داود ابن علي وهو أصح مذهب في الماء من جهة الأثر ومن جهة النظر لأن الله قد سمى الماء المطلق طهورا يريد طاهرا مطهرا فاعلا في غيره وقد بينا وجه ذلك في اللغة في باب إسحاق وقال صلى الله عليه وسلم الماء لا ينجسه شيء يعني إلا ما غلب عليه فغيره يريد في طعم (أو لون) أو ريح وقد أوضحنا هذا المعنى وذكرنا فيه اختلاف العلماء وبينا موضع الاختيار عندنا في ذلك ممهدا مبسوطا في باب إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة من هذا الكتاب فلا معنى لتكرير ذلك ههنا والحمد لله وهذا الحديث ينقض على أصحاب الشافعي ما أصلوه في الفرق بين ورود النجاسة على الماء وبين وروده عليها لأنهم يقولون إن ورود الماء في الأرض على النجاسة أو في مستنقع مثل الإناء وشبهه أنه لا يطهره حتى يكون الماء قلتين وقد علمنا أن الذنوب الذي صبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بول الأعرابي لم يعتبر فيه قلتين ولو كان في الماء
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»