التمهيد - ابن عبد البر - ج ١٩ - الصفحة ٢٢٠
قال الأخفش الشعف أطراف الجبال وظهورها وأعلاها الواحدة شعفة قال الشاعر * كنا كزوج من حمام ترتقي شعف الجبال * ترعى النهار ولا تراع بذي حابل أونصال * وأما الشعب فهو عندهم ما انفرج بين الجبلين وقد قيل في قوله شعب الجبال ما تشعب منها وما توعر وهذا الحديث إنما ورد خبرا عن حال آخر الزمان وما المحمود في ذلك الوقت لكثرة الفتن وقد كان صلى الله عليه وسلم يحض في أول الاسلام على لزوم الخواص للجماعات والجمعات ويقول من بدا جفا والحديث المذكور في هذا الباب من أحسن حديث في العزلة والفرار من الفتنة والبعد عن مواضعها من الحواضر وغيرها والفتنة المذكورة في هذا الحديث تحتمل أن تكون فتنة الأهل والمال وفتنة النظر إلى أهل الدنيا وفتنة الدخول إلى السلطان وغير ذلك من أنواع الفتن ولم يرد الفتنة النازلة بين المسلمين الحاملة على القتال في طلب الإمارة دون غيرها من الفتن بل أراد بقوله يفر بدينه من الفتن جميع أنواع الفتن والله أعلم وفي ذلك دليل على فضل العزلة والانفراد في آخر الزمان كزماننا هذا وقد ذكرنا لمعا في العزلة وفضلها وفضل اعتزال الناس ولزوم البيوت في باب أبي طوالة من هذا الكتاب (2) وذكرنا هناك آثارا مرفوعة حسانا تدل على فضل العزلة أيضا والجهاد فلا معنى لإعادتها ههنا وفي هذا الحديث حض على كسب الغنم وفي ذلك فضل لها وتبرك بها إلى ما روي فيها عن أبي هريرة أنها من دواب الجنة وفي ذلك فضل لرعيها ومعاناتها وما من نبي إلا وقد رعى الغنم
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»