الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٨ - الصفحة ٣٦١
وفيه أن خبز الشعير عندهم من رفيع الطعام الذي يتهادى ويدعى له الجلة الفضلاء وكان في أول الإسلام [أكثر] طعامهم التمر وفيه أن الأنبياء تزوى عنهم الدنيا حتى ليدركون القوت ويبلغ بهم الجهد إلى شدة الجوع حتى يضعف منهم الصوت من غير صيام كما وصف في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أن الرجل إذا دعي إلى طعام جاز له أن يدعو جلساءه وجاز لهم الإقبال معه إليه وإن لم ينذرهم صاحب الطعام وذلك إذا علم الداعي لهم أن الطعام يحملهم وأن ذلك يسر صاحب الطعام ويرضاه وإلا فلا وقد قال مالك لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى طعام أن يحمل معه غيره لأنه لا يدري هل يسر بذلك صاحب الطعام أم لا إلا أن يقول له صاحب الطعام ادع من لقيت فإن قال له ذلك كان له أن يحمل معه غيره وفيه أن من أخلاق المؤمن الأكتراث إذا نزل به ضيف وليس معه ما يكرمه به لأن الضيافة من أخلاق الكرام وفيه من فضل فطنة أم سليم بحسن جوابها [زوجها] حين شكا إليها كثرة من حل به من الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلة طعامه فقالت له الله ورسوله أعلم أي أنه لم يأت بهم إلا وسيطعمهم وفيه الخروج إلى الطريق لمن قصد إكراما له إذا كان أهلا لذلك لأنه من البر والكرامة وفيه أن صاحب الدار لا يستأذن في داره وأن من دخل معه استغنى عن الإذن وفيه أنه لا حرج على الصديق أن يأمر في دار صديقه بما شاء مما يعلم أنه يسر به ولا يسؤه ذلك ألا ترى أنه اشترط عليهم أن يفتوا الخبز وقال لأم سليم هات ما عندك ولقد أحسن القائل في هذا المعنى مفتخرا بذلك (يستأنس الضيف في أبياتنا أبدا * فليس يعرف خلق أينا الضيف) وفيه دليل أيضا على أن الثريد أعظم بركة من غيره ولذلك اشترط به رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم وفيه أن الإنسان لا يدخل عليه بيته إلا معه أو بإذنه ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذن لعشرة ثم ائذن لعشرة ثم ائذن لعشرة حتى استوفى جميعهم عشرة عشرة وكانوا سبعين أو ثمانين رجلا
(٣٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 ... » »»