والقول الثاني أنه يؤخذ بجميع الدية لأنها صارت نفسا وهذا قائل لا تجوز له وصية بحال واختاره المزني قال مالك (1) في الرجل يعفو عن قتل العمد بعد أن يستحقه ويجب له إنه ليس على القاتل عقل يلزمه إلا أن يكون الذي عفا عنه اشترط ذلك عند العفو عنه قال أبو عمر للعلماء في هذه قولان أحدهما قول مالك وهو قول أبي حنيفة أنه لا دية عندهم في قتل العمد إلا باشتراطها والصلح عليها ومثل هذا رواية بن القاسم عن مالك وأما رواية أهل المدينة عنه فالحجة في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ولي المقتول بين خيرتين لم توجب له الدية إلا باختياره لها واشتراطه إياها والقول الآخر أنه من عفا فله الدية إلا أن يقول عفوت على غير شيء وهو قول الشافعي وجماعة قبله وهذا قول أحمد وإسحاق لأن الله (عز وجل) قد أوجب في مال القاتل الدية إذا عفا الولي لقوله (عز وجل) * فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسن " [البقرة 178] ولو كان للعاقل إذا عفا لم يكن له شيء لم يكن للولي ما يتبعه به بالمعروف ولا على القاتل ما يؤديه بإحسان قال مالك (2) في القاتل عمدا إذا عفي عنه أنه يجلد مائة جلدة ويسجن سنة قال أبو عمر قد أبى من ذلك عطاء بن أبي رباح وطائفة قالوا لم يذكر الله عز وجل أن على من عفي عنه جلدا ولا عقوبة قال عطاء * (وما كان ربك نسيا) * [مريم 64] وقاله عمرو بن دينار وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور قال أبو ثور إلا أن يكون يعرف بالشر فيؤدبه الإمام على قدر ما يرى أنه يردعه وقال الليث وأهل المدينة كما قال مالك وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وجوه أنه ضرب حرا قتل عبدا مائة ونفاه عاما وذكر بن جريج عن إسماعيل بن أميمة قال سمعنا أن الذي يقتل عمدا ويعفا عنه يسجن سنة ويضرب مائة
(١٨١)