الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٨ - الصفحة ١٢٨
ولا معنى لقول من احتج في هذا الباب بقول الله تعالى * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * [الأنعام 164] وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل المؤمن خطأ أن لا يطل دمه وأن يحمله غيره الذي أخطأ فيه ولم يرد قتله وأن يتعاون قبيله ورهطه وما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك هدي الله قال الله تعالى * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) * [النساء 65] قال مالك (1) الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا فيمن قبلت منه الدية في قتل العمد أو في شيء من الجراح التي فيها القصاص أن عقل ذلك لا يكون على العاقلة إلا أن يشاؤوا وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجارح خاصة إن وجد له مال فإن لم يوجد له مال كان دينا عليه وليس على العاقلة منه شيء إلا أن يشاؤوا قال أبو عمر قد مضى هذا المعنى من قول بن شهاب ويحيى بن سعيد في أول هذا الباب والذي عليه أهل العلم بالحجاز والعراق وأتباعهم (في سائر) البلدان أن العاقلة لا تحمل عمدا (ولا اعترافا) ولا صلحا من عمد كما قال بن عباس رضي الله عنه وما شذ على هذا الأصل من مذاهب أصحابنا فواجب رده إليه وبالله التوفيق قال مالك (2) ولا تعقل العاقلة أحدا أصاب نفسه عمدا أو خطأ بشيء وعلى ذلك رأي أهل الفقه عندنا ولم أسمع أن أحدا ضمن العاقلة من دية العمد شيئا ومما يعرف به ذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه " فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسن " [البقرة 178] فتفسير ذلك فيما نرى والله أعلم أنه من أعطي من أخيه شيء من العقل فليتبعه بالمعروف وليؤد إليه بإحسان قال أبو عمر أما قوله لا تعقل العاقلة أحدا أصاب نفسه عمدا أو خطأ وعلى ذلك رأي أهل [العلم] عندنا وهو قول أكثر العلماء وقد اتفق مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي فيمن قتل نفسه خطأ أو عمدا أنه لا يجب على عاقلته شيء
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»