الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٣ - الصفحة ١٧٠
قال أبو عمر احتجاج أهل الظاهر في هذه المسألة ببراءة الذمة عجب عجيب لأن ذلك نقض لأصولهم ورد لقولهم وكسر للمعنى الذي بنوا عليه مذهبهم في القول بظاهر الكتاب والسنة لأن الله عز وجل قال في كتابه * (خذ من أموالهم صدقة) * [التوبة 103] ولم يخص مالا من مال وظاهر هذا القول يوجب على أصوله أن تؤخر الزكاة من كل مال إلا ما أجمعت الأمة أنه لا زكاة فيه من الأموال ولا إجماع في إسقاط الزكاة عن عروض التجارة بل القول في إيجاب الزكاة فيها إجماع من الجمهور الذين لا يجوز الغلط عليهم ولا الخروج عن جماعتهم لأنه مستحيل أن يجوز الغلط في التأويل على جميعهم وأما السنة التي زعم أنها خصت ظاهر الكتاب وأخرجته عن عمومه فلا دليل له فيما ادعى من ذلك لأن أهل العلم قد أجمعوا أنه لا سنة في ذلك إلا حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة (1) وحديث علي (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق (2) فالواجب على أصل أهل الظاهر - أن تكون الزكاة تؤخذ من كل مال ما عدا الرقيق والخيل لأنهم لا يقيسون على الخيل والرقيق ما كان في معناهما من العروض ولا إجماع في إسقاط الصدقة عن العروض المبتاعة للتجارة بل القول في إيجاب الزكاة فيه نوع من الإجماع وفي هذا كله وما كان مثله أوضح الدلائل على تناقضهم فيما قالوه ونقضهم لما أصلوه وبالله التوفيق قال أبو عمر من الحجة في إيجاب الصدقة في عروض التجارة مع ما تقدم من عمل العمرين (رضي الله عنهما) حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره أبو داود وغيره بالإسناد الحسن عن سمرة وقد ذكرناه في التمهيد عن سمرة أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع (3) وروى الشافعي وغيره عن بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي سلمة عن أبي عمرو بن حماس أن أباه حماسا قال مررت على عمر بن الخطاب وعلى عاتقي أدمة أحملها فقال لي ألا تؤدي زكاتها يا حماس فقلت يا أمير
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»