الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ٤١٩
وأما قوله صلى الله عليه وسلم إني رأيت الجنة ورأيت النار فإن الآثار في رؤيته لهما كثيرة وقد رآهما مرارا على ما جاءت عنه الآثار عنه صلى الله عليه وسلم وعند الله علم كيفية رؤيته لهما فيمكن أن يتمثلا له فينظر إليهما بعيني وجهه كما مثل له بيت المقدس حين كذبه الكفار في الإسراء فنظر إليه وجعل يخبرهم عنه وممكن أن يكون ذلك برؤية القلب قال الله عز وجل " وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين " [الأنعام 75] واختلف أهل التفسير في تأويل ذلك فقال مجاهد فرجت له السماوات فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش وفرجت له الأرضون السبع فنظر إلى ما فيهن ذكره حجاج عن بن جريج قال أخبرني القاسم بن أبي بزة عن مجاهد وذكر معمر عن قتادة قال ملكوت السماوات الشمس والقمر والنجوم وملكوت الأرض الجبال والشجر والبحار والظاهر في حديث مالك في هذا الباب أنه رأى الجنة والنار رؤية عين والله أعلم وتناول من الجنة عنقودا على حسب ما جاء في الحديث ويؤيد ذلك قوله فلم أر كاليوم منظرا قط وحق النظر إذا أطلقوا الرؤية إلا أن يتعدى بهما رؤية العين إلا بدليل لا يحتمل تأويلا وفي ذلك دليل أيضا على أن الجنة والنار مخلوقتان وقد أوردنا في التمهيد من الآثار الدالة على ذلك الشاهدة به ما فيه كفاية وأما قوله اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها المساكين واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء فإنه قد روي عنه صلى الله عليه وسلم هذا المعنى من وجوه شتى متواترة منها حديث أسامة بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين وإذا أصحاب الجد محبوسون إلا أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء (1) وهذا أثبت ما يروى من الآثار
(٤١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 424 ... » »»