اكتملت فيهم أداوت الاجتهاد، وأنه ما كان ليعتلي منصب القضاء في معقل الدولة العباسية مدة ستين سنة لا ينازعه فيه أحد لولا أنه كان ملما بكافة العلوم والمعارف التي يضطر إليها من يتولي مثل هذا المنصب الخطير في تلك الفترة الزاخرة بالعلم والمعرفة والعلماء المجتهدين.
غير أن كتابه الأمالي وغيره مما صنفه في السنة يدل على أنه كان يتجه بكليته إلى رواية الحديث، وإملائه، ويعنى به عناية فائقة جعلته في ناحية أهل الحديث حتى عد في جملة الحفاظ المحدثين الثقات، ولا شك أن القاضي المحاملي في قضائه وفصله بين الخصوم كان ينتهي إلى رأي يتفق على الأغلب مع رأي إمام من أئمة المذاهب المتبوعة، وهذا لا يعني أنه كان مقلدا لهذا الامام أو سائرا في فلكه، وهو كائن لكل المجتهدين، فالشافعي مثلا وافق أبا حنيفة في كثير مما ذهب إليه، وكذلك الامام مالك ولم يقل أحد من أهل العلم أنهما مقلدان له.
وفرق بين هؤلاء الذين بلغوا مرتبة الاجتهاد وغلب عليهم الفقه والنظر فيه مع وجود تلامذة لهم يدونون آراءهم حتى اشتهرت وذاعت وكتب لها الاستمرار، وبين أولئك المجتهدين الذين وجهوا عنايتهم إلى دراسة الحديث والعناية به وحفظه وإملائه وروايته وتدوينه.
وإذا أمعنا النظر في مرويات المحاملي في أماليه، وغيرها من كتبه، فإننا سنصل إلى هذه النتيجة وهي: أن أبا عبد الله المحاملي لم يكن يلتزم مذهب الإمام الشافعي لا