فنزل لقمان، ونزل ابنه فجعلا يشتدان على سوقهما، فبينما هما كذلك إذا نظر لقمان أمامه، فإذا هو بسواد، ودخان، فقال في نفسه: السواد سحر، والدخان عمران وناس، فبينما كذلك يشتدان إذ وطئ ابن لقمان على عظم ناتئ على الطريق، فدخل من باطن القدم حتى ظهر من أعلاها فخر ابن لقمان مغشيا عليه، فحانت من لقمان التفاتة فإذا هو بابنه صريع، فوثب إليه فضمه إلى صدره، واستخرج العظم بأسنانه، واشتق عمامة كانت عليه فلاث بها رجله، ثم نظر إلى وجه ابنه فذرفت عيناه فقطرت قطرة من دموعه على خد الغلام، فانتبه لها، فنظر إلى أبيه وهو يبكى فقال: يا أبة أنت تبكي، وأنت تقول هذا خير لي، كيف يكون هذا خير لي وأنت تبكي؟ وقد نفد الطعام والماء، وبقيت أنا وأنت في هذا المكان، فإن ذهبت وتركتني على حالي ذهبت بهم، وغم ما بقيت، وان أقمت معي متنا جميعا، فكيف عسى أن يكون هذا خير لي وأنت تبكي.
قال: أما بكائي يا بني فوددت أني أفتديك بجميع حظي من الدنيا، ولكني والد، ومني رقة الوالد، وأما ما قلت: كيف يكون هذا خير لي، فلعل ما صرف عنك يا بني أعظم مما ابتليت به ولعل ما ابتليت به أيسر مما صرف عنك، فبينا هو يحاوره، إذا نظر لقمان هكذا أمامه فلم ير ذلك الدخان والسواد فقال في نفسه: لم أر ثم شيئا؟ قال: قد رأيت، ولكن لعل أن يكون قد أحدث ربى بما رأيت شيئا.