صلى الله عليه وسلم قال: (لا تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل بالشمال)، وقال الطيبي: معنى قوله: إن الشيطان يأكل بشماله، أي: يحمل أولياءه من الإنس على ذلك ليضاربه عباد الله الصالحين، وقال بعضهم: فيه عدول عن الظاهر والأولى حمل الخبر على ظاهره، وأن الشيطان يأكل حقيقة لأن العقل لا يحيل ذلك، وقد ثبت الخبر به فلا يحتاج إلى تأويله. قلت: للناس فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن صنفا منهم يأكلون ويشربون. والثاني: أن صنفا منه لا يأكلون ولا يشربون. والثالث: أن جميعهم يأكلون ولا يشربون. وهذا قول ساقط. وروى أبو عمر بإسناده عن وهب بن منبه. بقوله: وسئل عن الجن ما هم؟ وهل يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون. فقال: هم أجناس، فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون، ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتوالدون ويتناكحون، منهم السعالي والغول والقطرب وغير ذلك، والذين يقولون: هم يأكلون ويشربون اختلفوا على قولين: أحدهما: أن أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لا مضغ وبلع، وهذا قول لم يرد عليه الدليل، والآخر: أن أكلهم وشربهم مضغ وبلع، وهذا القول الذي تشهد له الأحاديث الصحيحة.
3 ((باب: * (الأكل مما يليه) *)) أي: هذا باب في بيان سنية الأكل مما يليه، وليس في بعض النسخ لفظ: باب.
وقال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما يليه.
هذا تعليق أسنده ابن أبي عاصم في الأطعمة: له حدثنا هدبة حدثنا مبارك حدثنا بكر وثابت عن أنس به وأصله في (الصحيحين).
5377 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن عمرو ابن حلحلة الديلي عن وهب بن كيسان أبي نعيم عن عمر بن أبي سلمة، وهو ابن أم سلمة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: أكلت يوما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما، فجعلت آكل من نواحي الصحفة. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مما يليك.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهذا طريق آخر لحديث عمر بن أبي سلمة المذكور في الباب الذي قبله.
وأخرجه مسلم أيضا من حديث محمد بن جعفر محمد بن عمرو بن حلحلة عن وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة. قال: أكلت يوما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت آخذ من لحم حول الصحفة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مما يليك.
5378 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن وهب بن كيسان أبي نعيم قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام ومعه ربيبه عمر بن أبي سلمة. فقال: سم الله وكل مما يليك.
هذا مرسل، كذا رواه أصحاب مالك في (الموطأ) عنه، وقد وصله خالد بن مخلد ويحيى بن صالح الوحاظي، قالا: عن مالك عن وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة. فإن قلت: روى إسحاق بن إبراهيم الحنيني فقال: عن مالك عن وهب بن كيسان عن جابر؟ قلت: هذا منكر، وإسحاق ضعيف فإن قلت: فكيف استجاز البخاري إخراجه والمحفوظ عن مالك إرساله؟ قلت: لما تبين بالطرفين الذي قبله صحة سماع وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة تحقق أنه موصول في الأصل وأن مالكا قصر بإسناده حيث لم يصرح بوصله، فاستجاز إخراجه.
4 ((باب: * (من تتبع حوالي القصعة مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهية) *)) أي: هذا باب في بيان جواز من تتبع حوالي القصعة أي: جوانبها وهو بفتح اللام. يقال: رأيت الناس حوله وحوليه وحواليه، واللام مفتوحة في الكل، ولا يجوز كسرها. قوله: (إذا لم يعرف منه)، أي: من الذي يتتبع حوالي القصعة، أراد أن التتبع المذكور إنما لا يكره إذا لم يعرف منه كراهية. قلت: هذا يخالف الحديث الذي قبله في الأمر بالأكل مما يليه؟ قلت: حمل البخاري هنا الجواز على ما إذا علم رضا من يأكل معه. وقال بعضهم: رمز البخاري بذلك إلى تضعيف حديث عكراش الذي أخرجه