عمدة القاري - العيني - ج ٢٠ - الصفحة ٢٥٩
أخرج أبو داود أيضا عن ابن عباس: أن ماعز بن مالك أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه زنى، فأمر به فرجم ولم يصل عليه. قال النووي في (الخلاصة): إسناده صحيح. قلت: أخرجه النسائي مرسلا، ولئن سلمنا صحته فإن رواية الإثبات مقدمة لأنها زيادة علم.
ومنها: أنها يفعل بالمرجوم كما يفعل بسائر الموتى لما روى ابن أبي شيبة في (مصنفه) في كتاب الجنائز حدثنا أبو معاوية عن أبي حنيفة عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه، قال: (لما رجم ماعز قالوا: يا رسول الله! ما نصنع به؟ قال: اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم من الغسل والكفن والحنوط والصلاة عليه).
ومنها: أنه يحفر للمرجوم، لما رواه أحمد في (مسنده) من حديث أبي ذر، رضي الله تعالى عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل يقال إنه زنى، فأعرض عنه ثم ثنى ثم ثلث ثم ربع فأمرنا فحفرنا له فرجم. وقال النووي في (شرح مسلم): أما الحفر للمرجوم والمرجومة ففيه مذاهب للعلماء، قال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم: لا يحفر لواحد منهما. وقال قتادة وأبو ثور وأبو يوسف وأبو حنيفة في رواية: يحفر لهما، وقال بعض المالكية وأصحابنا: لا يحفر للرجل سواء ثبت زناه بالبينة أم بالإقرار، وأما المرأة ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا: أحدها: يستحب الحفر إلى صدرها ليكون أستر لها. والثاني: لا يستحب ولا يكره بل هو إلى خيرة الإمام. والثالث: وهو الأصح: إن ثبت زناها بالبينة استحب، وإن ثبت بالإقرار فلا يمكنها الهرب إن رجعت فإن قلت: في حديث أبي ذر المذكور الحفر، وجاء في حديث أبي سعيد أخرجه مسلم: أن رجلا من أسلم... الحديث. وفيه: فما وثقناه ولا حفرنا له قلت: قالوا: إن المراد في قوله: ولا حفرنا له، يعني: حفرة عظيمة.
ومنها: درء الحد عن المعترف إذا رجع كما ورد في حديث ماعز، أخرجه الترمذي عن أبي هريرة، قال: (جاء ماعز الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه قد زنى...) الحديث، وفي آخره: هلا تركتموني؟ يعني حين ولى ماعزها هاربا من ألم الحجارة، وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ذلك.
ومنها: أن المرجوم والمقتول في الحدود والمحاربة وغيرهم يصلى عليهم، وقال الزهري: لا يصلي أحد بن علي المرجوم وقاتل نفسه، وأبو يوسف معه في قاتل النفس، وقال قتادة: لا يصلي بن علي ولد الزنا.
ومنها: أن الإمام وأهل الفضل يصلون بن علي المرجوم كما يصلي عليه غيرهم، خلافا لبعض المالكية.
ومنها: أن التلقين للرجوع يستحب لأن حذ الزنا لا يحتاط له بالتحرير والتنقير عنه بل الاحتياط في دفعه، وقد روى الترمذي من حديث الزهري عن عروة عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام لو يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة). وانفرد بإخراجه الترمذي، وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعا). وفي سنده إبراهيم بن الفضل وهو ضعيف. وأخرج أبو داود والنسائي من حديث ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب). وروى الدارقطني والبيهقي من رواية مختار التمار عن أبي مطر عن علي، رضي الله تعالى عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إدرؤا الحدود...) ومختار هو ابن نافع ضعيف، وروى ابن عدي من رواية ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عكرمة عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إدرؤا الحدود بالشبهات، وأقيلوا الكرام عثراتهم إلا في حد من حدود الله).
1725 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان وسعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: أتى رجل من أسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول الله! إن الآخر قد زنى، يعني نفسه، فأعرض عنه فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال: يا رسول الله إن الآخر قد زنى، فأعرض عنه فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله، فقال له ذالك، فأعرض عنه فتنحى له الرابعة، فلما شهد على نفسه أربع شهادات
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»