وعلى أهله نائب عن الغازي في عمل لا يتأتى للغازي غزوة، إلا بأن يكفي ذلك العمل، فصار كأنه مباشر معه الغزو، فليس مقتصرا على النية فقط، بل هو عامل في الغزو، ولما كان كذلك كان له مثل أجر الغازي كاملا وافرا مضاعفا، بحيث إذا أضيف ونسب إلى أجر الغازي كان نصفا له، وبهذا يجتمع معنى قوله: (من خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا)، وبين معنى قوله في اللفظ الأول: (فله مثل نصف أجر الغازي)، ويبقى للغازي النصف، فإن الغازي لم يطرأ عليه ما يوجب تنقيصا لثوابه وإنما هذا كما قال: (من فطر صائما كان له مثل أجر الصائم لا ينقصه من أجره شيء)، والله أعلم. وعلى هذا، فقد صارت كلمة: نصف، مقحمة هنا بين: مثل، و: أجر، وكأنها زيادة ممن يسامح في إيراد اللفظ بدليل. قوله: (والأجر بينهما). ويشهد له ما ذكرناه، وأما من تحقق عجزه وصدقت نيته فلا ينبغي أن يختلف أن أجره يضاعف، كأجر العامل المباشر.
4482 حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا همام عن إسحاق بن عبد الله عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت ام سليم إلا على أزواجه فقيل له فقال إني أرحمها قتل أخوها معي.
قيل: لا مطابقة لجزء الترجمة، وهو قوله: (أو خلفه بخير)، لأن ذلك أعم من أن يكون في حياته أو بعد موته، ففيه أنه صلى الله عليه وسلم خلفه في أهله بخير بعد وفاة أخي أم سليم، وذلك من حسن عهده صلى الله عليه وسلم. قلت: لا يخلو عن بعض التكلف، ولكن له وجه أقرب من هذا. وهو: أن تجهيز الغازي ونظره في أهله من غاية الإكرام للغازي، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى إنه أكرمه بعد موته حيث كان يدخل بيت أم سليم لأجل قتل أخيها وهو غاز، فكأنه ينبه بهذا على أن إكرام أهل الغازي الميت مرغوب فيه مع الأجر، فإذا كان في إكرام أهل الغازي الميت هكذا، ففي إكرام الغازي الحي بطريق الأولى.
وموسى هو ابن إسماعيل، وهمام، بالتشديد: ابن يحيى الشيباني، وإسحاق هو ابن عبد الله بن أبي طلحة.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن حسن الحلواني عن عمرو بن عاصم.
ذكر معناه: قوله: (عن إسحاق بن عبد الله)، وفي رواية مسلم: عن همام أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. وعند الإسماعيلي من طريق حسان بن هلال: عن همام حدثنا إسحاق. قوله: (لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت أم سليم) قال الحميدي: لعله أراد على الدوام، وإلا فقد تقدم أنه كان يدخل على أم حرام. وقال ابن التين: يريد أنه كان يكثر الدخول على أم سليم، وإلا فقد دخل على أختها أم حرام، ولعل أم سليم كانت شقيقة المقتول، أو وجدت عليه أكثر من أم حرام، وأم سليم هي أم أنس، وقد ذكرنا أن في اسمها اختلافا، فقيل: سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: رميثة، وقيل: مليكة، ويقال: الغميصاء، والرميصاء، وأما أم حرام، فقد قال أبو عمر: لا أقف لها على اسم، صحيح. قوله: (إني أرحمها...) إلى آخره. قال الكرماني: كيف صار قتل الأخ سببا للدخول على الأجنية. قلت: لم تكن أجنبية، كانت خالة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم من الرضاع، وقيل: من النسب، فالمحرمية كانت سببا لجواز الدخول. وقال بعضهم: العلة المذكورة في الحديث أولى من غيره، وأشار به إلى ما قاله الكرماني قلت: لم يبين في وجه الأولوية ما هو. قوله: (قتل أخوها معي)، أخوها هو حرام بن ملحان، قتل يوم بئر معونة، والمراد بقوله معي، أي: مع عسكري، أو معي نصرة للدين، لأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم لم يكن في غزوة بئر معونة، وستأتي قصتها في كتاب المغازي، إن شاء الله تعالى.
93 ((باب التحنط عند القتال)) أي: هذا باب في بيان استعمال الحنوط عند القتال، وقد مر تفسير الحنوط في باب الجنائز، وهو عطر مركب من أنواع الطيب، يطيب به الميت.
5482 حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال حدثنا خالد بن الحارث قال حدثنا ابن عون عن موسى بن أنس قال وذكر يوم اليمامة قال أتى أنس ثابت بن قيس وقد حسر عن فخذيه